رمضان ومجاهدة النفس… بقلم: د. ياسر أحمد العز
إن مُخَالَفَة النَّفْسِ هي رَأْسُ العِبَادَةِ، وَأَعْظَمُ الجِهَادِ، فحينما سئل صلى الله عليه وسلم عن المجاهد قال: «وَالمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللهِ»: وقد سأل رجل عبدالله بن عمر رضي الله عنهما عن الجهاد فقال( إبدأ بنفسك فاغزها ) إذن مجاهدة النّفس كالرباط في سبيل الله الذي أمرنا الله به بقوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). وقد قال تعالى أيضاً في سورة الفرقان خطابا لرسوله: {فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً} أي جاهدهم بالقرآن والبيان، فاعتبر الجهاد بالبيان والقرآن جهادا، بل جهادا كبيرا ..قال صلى الله عليه وسلم: “جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم” (يقول أحد الصالحين :جاهد نفسك في رمضان حتى تخرج منه بقلب غير الذي دخلت به).. و المؤمن يحيطه في دنياه أعداء كثيرون دنيا تغريه وشيطان يغويه ونفس تستهويه وموت يترقبه ويدنيه.. (يقول يحي بن معاذ الرازي: أعداء الإنسان ثلاثة: دنياه، وشيطانه، ونفسه، فاحترس من الدنيا بالزهد فيها، ومن الشيطان بمخالفته، ومن النفس بترك الشهوات) (يقول أحد العلماء:تطغى نفس الإنسان وتظلم لسببين وكلاهما موجودان في سورة البلد : اذا اغترّالإنسان بقوته واستضعفَ غيره قال تعالى (أيحسب أن لن يقدر عليه أحد) واذا أمِن الرقيب والعقوبة: (أيحسب أن لم يره أحد) يقول القائل : إني بليت بأربع ما سلطوا إلا لأجل شقاوتي وعنائي *إبليس والدنيا ونفسي والهوى كيف الخلاص وكلهم أعدائي!! ورغم أن أعداء الإنسان في دنياه كثيرون لكن ينبغي أن يوقن المسلم أن أعدى أعدائه إليه هو نفسه التي بين جنبيه ، وأنها بطبعها ميالة إلى الشر ، فَرَّارَة من الخير ، أمَّارة بالسوء : قال تعالى : ( وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ) (يَقُولُ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في وَصِيَّةٍ لِعُمَرَ حِينَ اسْتَخْلَفَهُ: إِنَّ أَوَّلَ مَا أُحَذِّرُكَ نَفْسَكَ التي بَيْنَ جَنْبَيْكَ)( يقول أحد الحكماء المعاصرين : أفضل انتصار في حياتك هو انتصارك على نفسك وشهواتك ورغباتك المحرمة يقول صلى الله عليه وسلم : ( الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله الأماني )(لقد وصى النبي صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة رضي الله عنها أن تلزم هذا الدعاء: فقال لها ما يمنعك إذا أصبحت وإذا أمسيت أن تقولي : يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث ، أصلح لي شأني كله ، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين ولا أقل من ذلك) مهما أتعبت نفسك وحرمتها من نعيم لا حق لها فيه فهو حرمان وتعب مؤقت لنعيم خالد لا يفنى.. (كانت أم الربيع بن خيثم لما تراه يجاهد نفسه و يحرمها أشياء كثيرة تقول له ما أكثر ما أراك معذبا لنفسك فكان يقول لها إنما أردت لها في الآخرة النعيم المقيم..) إن من جاهد نفسه وهواه غلبهما، و صار ملكاً عزيزاً عليهما، ومن اتبع هوى نفسه صار عبداً ذليلاً أسيراً لها كما قيل: إذا المرء لم يَغْلِبْ هواه أقامهُ بمنزلةٍ فيها العزيز ذليلُ نفسك إن لم تسقها للطاعات ساقتك وقادتك للذنوب والشهوات والسيئات ولهذا يقول رب البريات (وَجَاهِدُوا فِي اللَّـهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ): وَرَحِمَ اللهُ تعالى مَنْ قَالَ: وَالنَّفْسُ كَـالـطِّفْلِ إِنْ تُهْمِلْهُ شَبَّ عَلَى *حُـبِّ الـرَّضَـاعِ وَإِنْ تَـفْـطِمْهُ يَنْفَـطِمِ كَمْ حَـسَّـنَـتْ لَـذَّةً لِلْـمَـرْءِ قَـاتـلَةً*مِنْ حَيْثُ لَمْ يَدْرِ أَنَّ السُّمَّ في الـدَّسَمِ فخَالِفِ النَّفْسَ وَالشَّيْطَانَ وَاعْصِهِمَا* وَإِنْ هُمَا أعطياكَ النُّصْحَ فـاتَّهِمِ* ولا تطِعْ مِنْهُمَا خصْما وَّلا حكَما* فَانْت تعْرفُ كَيْد الْخصْمِ وَالْحكَمِ. وكيف أعلم الخطأ من الصواب فيما تختاره نفسي؟؟ استمع لنصيحة الإمام الشافعي رضي الله عنه وهو يقول: إذا حارَ أمرُكَ في مَعْنَيَيْن ولم تدرِ فيما الخطا و الصواب فخَالِفْ هَوَاكَ فإنَّ الهوَى يقودُ النفوسَ إلى ما يعاب …