رواه الشيخان ( أكرم و عبدالقادر)
كتب / شريف محمد
أيام الخدمة العسكرية في أي قوات مسلحة ، خاصةً المصرية، ليست فقط أيام صنع الرجولة الحقة ، ولكنها أيضاً مدرسة كبيرة لتعاليم الحياة ، كل يومٍ من أيامها الخالدة تتعلم فيه درساً لا يُنسى ، بل لا أُبالغ إذا قلت كل ساعة ، هي ستون دقيقة في فنون الحياة.
تلك الحياة التي تعلمت فيها درساً هو الأسوء على الإطلاق ، بل من سوء ما تعلمتُه من هذا الدرس أودعته أدراج النسيان ؛ ولكن لسببٍ كشفت عنه الأيام استدعيتُ هذا الدرس بالأمس فقط من خِزانة الحياة ، ألا وهو :
( درس الشيخين )
الأول الشيخ أكرم المُقريء الدءوب، النموذج لخير أجناد الأرض ، دائم العمل دون شكوى، كثير الصمت دون ملل، لكنه كما كنا يحلو لنا القول ( عاثر الحظ ) ، كثيراً ما يتعرّض للتأنيب والتوبيخ من قياداته من الضباط الكبار ، أو صف الضابط، وكيف لأ وهو المسئول عن الكثير من المهام ، مما يجعله في أحيانٍ كثيرة رَث الهيئة ، غير مهندم، رغم التزامه بقواعدالعسكرية من ذقنٍ حليقة ، و رداءٍ ( مُقفّز ).
أما الآخر الشيخ عبدالقادر ذو الوظيفة الواحدة ، السطحية ، التي إن لم يقم بها فلا خلل في النظام العسكري ، وهو مع بساطة مهمته مشكور العمل ، ومحمود الفِعال ، مقبول المظهر والمُحيّا لدا رؤسائه ،
و لأنه قليل العمل ، بسيط المهمة ، فبالتالي هو الأقل عُرضَة للخطأ ؛ على النقيض من الآخر أكرم عمود الوحدة العسكرية ، حامل أسرار التنظيم والإدارة بالوحدة ، لكنه كثير الأعباء ، عظيم الأعمال ، فبالتالي هو الأكثر عُرضة للخطأ ، فالخطر ، فالعقاب.
وهكذا كان حال مدير إدارة الباجور التعليمية ، وليس حاله فقط بل حال كل ساعٍ للإدارة في أي مجالٍ خَدَمي ، كثير الأعباء ، كثير العُرضة للمحاسبة ، وللأسف لا يُمكن مِن مَن هم رؤساؤه إلا توجيه اللوم أو العتاب له عند رؤية خطأ ، أو خلل ، فهذه مسئوليته التي وصل إليها سواء بالسعي والطلب ، أو بالتسلسل الوظيفي الذي قَبِل به في نهاية الأمر .
يا سادة ..إنه الدرس القاسي للحياة العملية الخدمية القاسية، التي لامجال فيها للتهاون أو التراخي، درس قد تمنحك تفاصيله المجد ، وقد تهوي بك لأسفل سافلين ، فتضيق الصدور ولا تحتمل القلوب المُتعبة من ضربات الحياة فتتوقف عن العمل الخَدمي ، بل تتوقف عن النبض .
وفي كلا الحالين حال العامل المثابر ، أو العامل المتذاكي الهارب بعيداً عن سُدة الأعباء فإن الجميع محاسبون أمام الله تعالى عن أعمالهم ، فمن عمل فأصاب فله الثواب ، ومن عمل فأخطأ( دون قصد) فله بإذن الله تعالى أجران ، أجر العمل ، وأجر السعي ؛ لكن لمن يملك أمر الجميع فأعلم أنك مسئول أمام الحسيب الرقيب القوي العزيز عن كل ما صدر عنك من قول أو فعل في حق كل من تحت إمرتِكَ ، ولكن في يومٍ تَشخَصُ فيه الأبصار ، عند مليكٍ مُقتدر يعلم هل أنتَ الجاني أم المجني عليك .
وحتى ذاك الحين لازال درس الشيخين:
أعمل كثيرا تُخطئ ، تُجازى ، اعمل أقل لا تخطئ فلا تُجازى.