مقالات

سحر سعاد حسنى وسرها.. بقلم: أشرف غريب

سحر سعاد حسنى وسرها.. بقلم: أشرف غريب

سحر سعاد حسنى وسرها.. بقلم: أشرف غريب
اشرف غريب

اثنان وعشرون عاما مضت على رحيل السيندريللا فى الحادى والعشرين من يونيو 2001 وما زالت سعاد حسنى على القمة دون أن تقترب منها واحدة ، فما هو هذا السر الكامن خلف تلك الموهبة الفريدة ؟ لم تكن نجومية سعاد حسنى من النوع التقليدى،‮ ‬أو ما‮ ‬يمكن تسميته بالنجومية الهادئة‮.. ‬إنها من الأسماء القليلة فى تاريخ السينما العربية التى صنع الجمهور نجوميتها الطاغية من اللحظة الأولى التى أطلت فيها علينا فى مارس ‮1959 ‬كبطلة لفيلم‮ ” ‬حسن ونعيمة ‮” ‬ووصل بها هذا الجمهور فى الستينيات إلى أقصى درجات العشق والتفضيل التى‮ ‬يمكن أن‮ ‬يمنحهما جمهور لفنان،‮ ‬فمع نجاح فيلميها‮ ” ‬إشاعة حب‮ ” ‬أمام عمر الشريف،‮ ‬و” البنات والصيف‮ ” ‬أمام عبد الحليم حافظ ــ أكبر نجمين فى ذلك الزمان ـ تأكد للجميع أن نجمة بمواصفات خاصة قد أظلنا زمانها،‮ ‬وهو ما أكدته لاحقا تجربة سعاد حسنى الممتدة عبر اثنين وثمانين فيلما وعشرات الشخصيات الإنسانية التى نقلتها إلى الشاشة‮.‬

سحر سعاد حسنى وسرها.. بقلم: أشرف غريب
سعاد حسني

‬فلماذا إذن كانت نجمة بمواصفات خاصة؟

لقد أتت سعاد حسنى إلى عالم السينما فى مرحلة شديدة الحساسية والتقلب من تاريخ كل من المجتمع المصرى وفن السينما ذاته،‮ ‬فالفتاة المصرية التى أوجدتها ثورة يوليو كانت فى طريقها إلى بلورة ملامح شخصيتها الجديدة الطامحة إلى الانسلاخ من تبعية الرجل والبحث عن دور حقيقى فى مجتمع كان كل ما فيه‮ ‬يتغير،‮ ‬وكان من الطبيعى أن تبحث السينما المصرية عن وجوه جديدة تناسب تلك النزعة وتعبر عن ذلك التوجه الاجتماعى الجديد لاسيما وأن تيار الميلودراما كان قد جرف كلا من فاتن حمامة وماجدة وشادية ومريم فخر الدين،‮ ‬وألصق بهن جميعا كل معانى القهر والتبعية إما لرجل شرير مستغل وإما لشاب شهم منقذ‮ ‬يقف فى وجه هذا الشرير بينما كانت كل من هند رستم وهدى سلطان تذهبان إلى الاتجاه المعاكس تماما،‮ ‬وتقدمان نموذج المرأة القوية المثيرة والمرغبوة من كل الرجال،‮ ‬وسواء كن من جرفهن تيار الميلو دراما أو انسقن وراء أدوار الإغراء فإن هؤلاء وهؤلاء كن قد تجاوزن المرحلة السنية التى تسمح لهن بالتعبير عن طموحات الفتاة الجديدة وتطلعاتها،‮ ‬ومن هنا لم تكن أى من هؤلاء الراسخات قادرة على القيام بهذه المهمة حتى لو حاولت بعضهن ذلك كحال فاتن حمامة فى ثنائىة صلاح أبو سيف‮ ” ‬لا تطفئ الشمس‮ ” 1961‬،‮ ‬و” لا وقت للحب‮ ” 1963‬،‮ ‬وفيلمها مع بركات‮ ” ‬الباب المفتوح‮ ” 1963‬،‮ ‬وهكذا كان لا بد من دماء جديدة تزيد من حالة التماس بين المجتمع وشاشة العرض،‮ ‬أو بين الفتاة المصرية ابنة الطبقة المتوسطة وقرينتها على شاشة السينما‮.‬

    فى هذه الأجواء المغايرة والمتعطشة للجديد ظهرت زبيدة ثروت‮ ” نساء فى حياتى ـ ‮1957″ ‬ولبنى عبد العزيز‮ ” الوسادة الخالية ـ ‮1957″ ‬وليلى طاهر‮ ” أبو حديد ـ ‮1958″ ‬ونادية لطفى‮ ” ‬سلطان ـ ‮1958″ ‬وزيزى البدراوى‮ ” ‬عواطف واحنا التلامذة ـ ‮1959 ” ‬ثم‮.. ‬سعاد حسنى فى‮ ” ‬حسن ونعيمة‮ ” ‬سنة ‮٩٥٩١ ‬لهنرى بركات،‮ ‬ورغم أن سعاد كانت الأخيرة زمنا والأصغر عمرا إلا أنها استطاعت أن تتقدم السباق بسرعة ليس لأن الآخريات لم‮ ‬يواكبن ما كان باديا من تطور اجتماعى وإنما لأن شيئا ما كان‮ ‬ينقص تلك العلاقة بين الجمهور وأى من هؤلاء الأخريات بعكس ما حدث مع سعاد ومن أفلامها الأولى،‮ ‬فزبيدة ثروت وزيزى البدراوى كانتا أقرب إلى النموذج السابق الذى صنعه تيار الميلودراما التقليدى بينما تراجعت ليلى طاهر سريعا إلى الأدوار الثانية والمساعدة،‮ ‬وفى الوقت نفسه لم‮ ‬يقترب الناس وجدانيا ـ حتى لو اقتنعوا فكريا ـ من النموذج الذى قدمته لبنى عبد العزيز وخاصة فى فيلمى‮ ” ‬هذا هو الحب‮ ” ‬و” أنا حرة‮ ” ‬لصلاح أبو سيف فضلا عن الحاجز النفسى التلقائى الذى خلقته ملامح لبنى عبد العزيز‮ ‬غير المألوفة،‮ ‬وبقيت نادية لطفى الشقراء ذات الملامح‮ ‬غير المصرية بحاجة إلى مزيد من الأدوار كى تؤكد وجودها الفنى ‮.‬

    أما سعاد حسنى فكانت شيئا مختلفا‮.. ‬لم تستكن أو تستسلم مثل شخصيات زبيدة ثروت وزيزى البدراوى،‮ ‬ولم تتمرد أو‮ ” ‬تتفلسف‮ ” ‬مثل شخصيات لبنى عبد العزيز‮.. ‬كانت متطلعة ومنطلقة ولكن ببساطة ودون تكلف،‮ ‬لم تكن تبحث عن الحرية بمعناها التجريدى‮.. ‬كانت تبحث عن الحياة بمفهومها البسيط،‮ ‬لم تكن تفتش عن ذاتها بقدر ما كانت تريد أن تشعر بوجودها،‮ ‬وهذا كله فى توافق تام مع ملامح مصرية صميمة شكلا وروحا وقدرة عالية على التوظيف الدرامى لأدواتها كممثلة سواء بالتلوين الصوتى أو الأداء الحركى أو التعبير بالعين،‮ ‬ولذلك لم‮ ‬يكن‮ ‬غريبا بعد هذا كله أن تلغى سعاد حسنى ـ تماما ـ المسافة بينها وبين الجمهور،‮ ‬وتزيل الحائط الوهمى بين الشاشة وصالة العرض فى حالة أظنها فريدة فى تاريخ السينما العربية،‮ ‬ليس هذا فقط بل إنها استطاعت أن تلون عقد الستينيات وإلى منتصف السبعينيات بلونها،‮ ‬وأخذت معها ـ حتى ـ بنات جيلها فيما عرف بتيار أفلام الشباب والمغامرات من نوعية‮: ‬العزاب الثلاثة والأشقياء الثلاثة والمغامرون الثلاثة،‮ ‬وللرجال فقط،‮ ‬والثلاثة‮ ‬يحبونها،‮ ‬وحكاية ثلاث بنات وحلوة وشقية والزواج على الطريقة الحديثة إلى آخر هذه القائمة الطويلة‮.

نهى مرسي

نائب رئيس تحرير الموقع
زر الذهاب إلى الأعلى