سمو الأسلمة على الدستور.. بقلم ماهر جبر
كلنا يعرف أن الدستور هو سيد القوانين، لذا لا يعلو نص قانوني على مادة منه ولا يجوز أن يخالفها. فكل القوانين واللوائح والقرارات لابد وأن تدور في فلكه ولا تحيد عنه.
فالدستور هو القانون الأعلى في الدولة، وأبو القوانين الذي تنبثق منه بقية القوانين التي تحكم المجتمع في مجالاته كافة. حيث يُنص فيه على شكل الدولة وشكل الحكومة ونظام الحكم والسلطات العامة في الدولة.
سمو الدستور على القوانين
المبدأ العام اذاً هو سمو الدستور على القوانين، بما معناه أنه لو خالف نص قانوني مادة ما في الدستور. وجب الطعن عليه بعدم الدستورية، ويكون ذلك أمام المحكمة الدستورية العليا، فماذا نعني بالدستور، وما هي اختصاصات المحكمة الدستورية العليا ؟.
يتطلب منا ذلك توضيح المقصود بالدستور الوضعي، واختصاصات المحكمة الدستورية العليا، ثم الحديث عن الدستور الإسلامي. ومحكمة الأسلمة وهي محور مقالنا:.
الدستور الوضعي.
بداية كلمة دستور كلمة فارسية الأصل مقسمة الى مقطعين هما ( دست) بمعنى القاعدة، و(ور) بمعنى صاحب. ليصبح المعنى الكامل لمفهوم الدستور هو صاحب القاعدة. وميدان تردد هذه الكلمة كثيراً هو المجال السياسي، ويفهم منه أن الدستور هو قمة الهرم القانوني في الدولة. أو القانون الأعلى الذي يبين ماهية السلطات العامة ويوضح العلاقات بينها، واختصاص كل سلطة وحدودها، وحقوق الأفراد والجماعات وواجباتهم وكيفية الرقابة على السلطات. كما يعني القواعد والأحكام التي تبين شكل نظام الحكم وشكل الدولة، والهيئات التي تتولى هذه السلطة.
أهمية الدستور
وتتضح أهمية الدستور في كونه منظم للعلاقات بكافة أشكالها بين الفرد والمجتمع، وبين المجتمع والدولة وسلطاتها الثلاث، التنفيذية، التشريعية، االقضائية. كذلك العلاقة بين الحاكم والمحكومين عن طريق إقامة توازن بين إختصاصات وواجبات الحاكم وحقوق وواجبات المحكومين. بالشكل الذي يؤدي الى استقرار الحكم ودعم الدولة الديمقراطية، وبالتالي فإن الدستور هو الغطاء السياسي والثقافي والإقتصادي الذي يظل الأُمم ويحميها من ظلم الحكام وجورهم. ولا يمكن أن ينفرد به حزب أو جماعة ما بل هو ملك لكل الشعب ومنظم لحياة كل فئاته، لذا يجب اشتراك كل أفراد الشعب في حوار شامل عند وضع الدستور، وأن يتم ذلك في مناخ سليم. يسمح للجميع بإبداء رأيهم في مختلف القضايا، دون إقصاء لفئة ما على أساسُ عرقي أو مذهبي.
اختصاصات المحكمة الدستورية العليا.
مما لاشك فيه أن المحكمة الدستورية العليا هي أعلى محكمة، أو المحكمة العليا في التنظيم القضائي (تنظيم المحاكم). في أي دولة، ويكون مقرها في عاصمة الدولة، وهي هيئة قضائية مستقلة عن السلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية. ومهمتها مراقبة دستورية القوانين (أي مطابقة القوانين مع مواد الدستور). تحقيقاً لمبدأ سمو الدستور على القوانين، لذا لها أن تقوم بإلغاء مواد القانون التي تُخالف نصوص ومواد الدستور، مع مراعاة. أن أحكامها نهائية لا تقبل الطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن.
ومن صميم اختصاص المحكمة الدستورية أيضا،ً تحديد المحكمة المختصة وظيفياً في حالة وجود تنازع بين سلطتين، الا أنها مقيدة بعدة شروط خاصة بهذا النزاع. كونه يجب أن ينشأ من حكمين تم حسم النزاع فيهما حسماً باتاً، وأن يكون الحكمين متناقضين تناقضاً يجعل تنفيذهما معاً أمراً مستحيلاً. وأن يصدر الحكمين المتناقضين من محكمتين مستقلتين وظيفياً. وأخيراً أن يكون النزاع أمام جهتين من جهات القضاء أو الهيئات ذات الإختصاص القضائي.
وإجمالاً فإن اختصاصات المحكمة الدستورية العليا، ينظمها دستور الدولة بين دفتيه بما يجري عليه من تعديلات.
التي تتمثل في:.
_ الرقابة على دستورية القوانين واللوائح.
_ تفسير النصوص التشريعية التي تثير خلافاً في التطبيق.
_ الفصل في تنازع الإختصاص بين جهات القضاء، أو الهيئات ذات الإختصاص القضائي.
_ الفصل في النزاع الذي يقوم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين.
_ تفسير نصوص القوانين الصادرة من السلطة التشريعية. والقرارات بقوانين الصادرة من رئيس الجمهورية وفقاً لأحكام الدستور. حال إثارتها خلافاً في التطبيق، وكان لها من الأهمية ما يقتضي توحيد تفسيرها.
وتصدر المحكمة الدستورية أحكامها بإسم الشعب، وأحكامها في الدعاوى الدستورية، وقراراتها بالتفسير ملزمة لجميع سلطات الدولة. كما أنها تفصل من تلقاء نفسها في جميع المسائل الفرعية، وأحكامها نهائية غير قابلة للطعن فيها بكافة طرق الطعن. وهي منوط بها دون غيرها الفصل في كافة المنازعات المتعلقة بتنفيذ الأحكام والقرارات الصادرة منها.
وقد يحدث أن يخالف نص دستوري مبدأً جوهرياً من مباديء الشريعة الإسلامية. فما هي الجهة المنوط بها الفصل في النزاع في هذه الحالة ؟.
ألا يستدعي ذلك أن يكون في سلم التنظيم القضائي ( تنظيم المحاكم). محكمة للأسلمة تعلو المحكمة الدستورية. وتكون هي المحكمة العليا في كافة الدول التي تدين بالإسلام، وينصب اختصاصها الدقيق في مراقبة أسلمة الدستور، فتحكم بعدم أسلمة أي نص في الدستور اذا كان مخالفاً لمباديء الشريعة الإسلامية وأحكامها. لا سيما وأن أغلب الدول الإسلامية نصت في دساتيرها على إسلامية الدولة، وعدت الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع. وليست مصدراً للتشريع يوجد معه مصادر أخرى، كما في نص المادة الثانية من دستور جمهورية مصر العربية. فما هي مصادر الدستور الإسلامي كدستور للمسلمين ؟.
اذا نظرنا الى مفهوم الدستور في الإسلام نجده عبارة عن مجموعة القواعد والأحكام العامة الواردة في القرآن الكريم. والسنة النبوية والتي تنظم المباديء الرئيسية التي يقوم عليها الحكم في الإسلام. وبالتالي فالأحكام الدستورية الثابتة ليست منحة من البشر، وليست مجالاً للمناقشة من الحكومات أو الأفراد، وهي ثابتة لا تتغير على مر الزمان لأنها وحي من الله. وليس لبشر أن يغير كلام الله أو يبدله. لذا فإن مصادر الدستور الإسلامي ثلاثة:.
_ المصدر الأول:
كلام الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل ولا يُعلى عليه وهو القرآن الكريم وفيه طريق الهداية للخير في الدنيا والآخرة. فمن إتبعه ضمن السعادةيبوء بالخسران المبين .
_ المصدر الثاني:
كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي سنته المبينة أو الموضحة أو المكملة، أي أنها تفسير لما جاء في كتاب الله. لذا يجب إتباع النبي في كل ما يقول، فما ينطق عن الهوى، إن هو الا وحي يُوحى. بل الأكثر من ذلك أن الله سبحانه وتعالى ربط الإيمان به، بتحكيم النبي صلى الله عليه وسلم بيننا وفي كل أمورنا. (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً).
_ المصدر الثالث:
سنة الخلفاء الراشدين، فإتباع أفعال وأقوال الخلفاء الراشدين أمر من الرسول صلى الله عليه وسلم، (أصحابي كالنجوم. اذا اقتديتم بهم اهتديتم)، وقوله (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي). ذلك أنهم كانوا بجانب الرسول عند وضع دعائم الدولة الإسلامية في المدينة. ووضع دستورها، كما حافظوا على تلك الدعائم قوية بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، ورفعوا راية الإسلام خفاقة في كل مكان. يضاف الى هذه المصادر الرئيسية، مصادر أخرى فرعية، وهي إجتهادات المجتهدين.
أما مكونات الدستور الإسلامي فهو يتضمن مواد تبين دين الدولة، ودين عامة أهلها. ووضع أصحاب الديانات الأخرى، ومواد تعالج الحقوق والحريات والواجبات وكافة شئون الحياة الأخرى، كالتعليم والصحة والأسرة والزواج والطلاق. وأن الشريعة هي المصدر الوحيد للتشريع وكل ما خالفها باطل، كذلك سلطات الدولة وعلاقاتها بالأفراد وحقوق كل منهم وواجباته.
خلاصة القول أن الدستور الإسلامي أرقى وأنفع للمخاطبين بأحكامه، من نظيره الوضعي. وأنه يجب احتوائه على مجموعة من المواد توضح أن الله واحد وأن الحكم له وحده. وأن الإسلام دين الدولة، وكل ما يخالف مبادئه الجوهرية باطل.
كما يجب أن يكون هذا الدستور مستمد كما ذكرنا من كتاب الله وسنة رسوله واجماع الصحابة. وألا يوضع به أصلاً مواد تخالف مباديء الإسلام وأحكامه.
وأخيراً يجب ملاحظة أن الحاجة أصبحت ملحة لضرورة وجود محكمة الأسلمة في التنظيم القضائي للدول الإسلامية. لنجتاز بذلك مرحلة المأمول التي نتمني فيها تحقق وجود محكمة الأسلمة، الى مرحلة الواقع الذي يتحقق معه وجودها بالفعل. فنتمكن عن طريقها من مراقبة أسلمة الدستور، واستبعاد كل نص أو مادة منه كونها مخالفة لقواعد الشريعة وأحكامها. ولتستقر محكمة الأسلمة في أعلى السلم الهرمي لتنظيم المحاكم، وفقاً لمبدأ سمو الأسلمة على الدستور الذي يعلو بلا ريب مبدأ سمو الدستور على القوانين