صاحب المقام
كتب/ د. محمد كامل الباز
مخاطبة العقل والوجدان من أهم وسائل التأثير على أى شعب، أعتقد أن الإعلام يمتلك من ذلك التأثير نصيب الأسد، حيث أنه من السهل توجيه سلوك أى مجتمع أو غالبيته لسلوك ما حتي لو كان هذا السلوك خاطيء.
جلست اتجول فى التلفاز، اذهب هنا واغدو هناك، قنوات رياضة واخري طبخ، تارة أخبار وتارة أخرى منوعات حتي استوقفنى بين القنوات فيلم لم اشاهده من قبل، يحكي قصة أحد رجال الأعمال الذي يقوم بدوره أسر ياسين (يحيي) الذي تتعرض زوجته لحادث وتقع على إثره فى غيبوبة طويلة، يحزن يحيي حزن كبير ومعه يحدث التغيير في حياته، من الطبيعي والمعتاد عند تعرض أحدنا لأى مصيبة أو ابتلاء يكون الملاذ الأول هو الرجوع الى الله، الصلاة، التضرع، قراءة القرءان والدعاء إلى الله، لكن مع يحيي كان الأمر مختلف، حيث بدأ نوع أخر من التضرع، نصحته به ( روح) الفنانة يسرا التي تمثل الجانب الروحي فى الرواية، نصحته بالتضرع للاولياء، طلب العون منهم وزيارتهم لأنهم غاضبون منه!!
ذهب بالفعل يحيي لمقام الإمام الشافعي، وأخذ يفتح صندوق النذور والجوابات، بدأ يتصفح الطلبات والاستغاثات، بدأ يتابع دعاء الأولياء والتوسل للإمام الشافعي، أحدهم كي يرجع إبنه المفقود، آخر كي يشفي ابنته المريضه، واحدة تطلب الحج، وأخري تريد التخلص من زوج الأم الظالم، قرر أن يكون مندوب الإمام الشافعي فى قضاء حوائج الناس، ومع استمرار قيامه بهذا العمل البديع من وجهة نظر روح بدأت زوجته فى التعافي من الغيبوبة بل عادت للوعي فعلا!!
تغيرت حياة يحيي من الظلمات إلى النور من وجهة نظر الكاتب عندما زار الأولياء، تبدل حاله من الضنك للرحب والسعة عندما أخذ الرسائل المقدمة للإمام الشافعي كي ينهي مظالم الناس .
ماهى عاقبة مشاهدة فيلم مثل هذا لرجل الشارع البسيط، ما حجم البدع التي ستزيد عنده جراء رؤية مثل هذا،
مخالفة صريحة وواضحة لمنهج الله ورسول الذي كان دوما يؤكد انه لا توسط ولا توسل ولا طلب إلى من الله تعالى، توسل الناس فى الفيلم للإمام الشافعي ولو قراءوا سيرته لعرفوا أنه من أكثر الأئمة التي حاربت الشرك ونبذته،
لم يمر على صناع الفيلم أصل عقيدة التوحيد التي فيها نوع من أهم أنواع التوحيد وهو توحيد الألوهية ( العبادة) ( القصد)
نعم هو القصد والرجاء، الخوف والإنابة، توحيد فى معناه ألا تقصد إلا الله فى عبادتك، لا تدعي غير الله، لا تجعل بينك وبين الله واسطه، اطلب منه مباشرة، جميع آيات القرءان وتشريعاته تكون نداء من المولي عز وجل الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقول لأمته،
يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير…) إلي آخر الآية
(يسألونك عن الأنفال قل الانفال)
(يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي…)
( يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس..)
وغيرها من الآيات التي يوضح الله سبحانه وتعالي الإجابة لنبيه كي يبلغها للامة،
إلا آية الدعاء، التوسل كان الرد حاسم وواضح
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)
البقرة١٨٦
لم يقل للرسول الكريم أخبرهم إني قريب بل كان الرد مباشرة من المولي عزوجل فإني ووضعت الفاء للسرعة، حيث أن دعاؤك وطلبك من الله ستتم الاجابة عليه مباشرة وأسرع مما تتخيل، الأمر لا يحتمل واسطة أو ولي، لا يحتاج شيخ أو تقي، حتى لو كان هذا الوسيط هو أفضل الخلق واحبهم للمولي عز وجل،
ضل الكثير من أمتنا فى هذا الأمر وظنوا أن العبادة هي الصلاة والصوم والفرائض فقط، انتقل الكثير للنوافل والفضائل وهو لم يحقق الركن الأول والأساسي فى الإسلام وهو عبودية المولي عزو وجل،
لم يقتصر مفهوم العبادة علي السجود فقط، بل كانت العبادة في التوسل والرجاء والدعاء والخوف والإنابة وجميع أفعال القلوب،
لم يكن مشركي قريش على جهل بوجود الله، لكن كان شركهم فى اتخاذهم وسطاء بينهم وبين الله،
كانوا يتخذون من الأصنام طرق توصل طلباتهم لله عز وجل، ماذا يحدث فى مجتمع تنتشر فيه مثل هذه البدع
هذا يطلب من الأمام صاحب المقام أن يشفي أباه، تلك تطلب من صاحب المقام والقطب الكبير أن يرزقها الولد، هل يسمع الله دعاء الاموات؟ بل الأهم فى الأمر لماذا لا يسمعك الله إذا دعته، وهل لو دعوته وحدك دون ولي أو تقي لن يصل طلبك؟
لو سلمنا أن هناك درجة معينة من الصلاح والتقوي كي يتقبل الله ويسمع دعاءك لكان الولي الوحيد لكافة المسلمين هو الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي بنفسه نهي أن يتخذ أحد واسطة بينه وبين الله،
قال المصطفي صلى الله عليه وسلم ( من مات وهو يدعو من دون الله ندا، دخل النار) رواه البخارى
قوله: مَن مات وهو يدعو من دون الله ندًّا أي: يجعل لله ندًّا في العبادة: يدعوه، ويسأله، ويستغيث به؛ يتوسل إليه ويطلب منه كي يوصل لله طلبه ماذا يحدث له ؟؟؟ دخل النار؛
لم يعبد هذا الهالك هذا الند أو الوسيط ولكنه اتخذه وسيطا كي يوصل طلبه لله فكان عقابه النار كما ذكر عليه الصلاة والسلام.
عاني يحيي من غيبوبة زوجته ثلاثة أسابيع وهو فى قلق وخوف، بدأت أخلاقه تتغير ويترك الدنيا التي استحوذت على كل وقته ليتجه للاولياء، لم نري يحي يصلي ركعة لله، أو يسجد سجدة يدعو الله فيها، لم نجده يقرأ القرءان أو يذكر الله بل كان كل توجهه للإمام الشافعي كي يقضي حاجات الناس، كان يأخذ جوابات الصندوق ويذهب للناس الذين جاءوا يدعون الشافعي من دون الله،
روايه غير موفقة نطلب من كاتبها ابراهيم عيسي مراجعة نفسه والتوبة عنها، فيلم يرسخ مباديء ومعاني غير صحيحة نتمني من مخرجه محمد العدل التبرء منه وإعلان رفضهم لما جاء فيه، قال الجمهور كلمته حيث لم يكتب للفيلم النجاح و الإيرادات فالكاتب مازال يحبو فى منطقة العمل السينمائي والمراهنة على مواضيع مثيرة للجدل لا تكسب فى كل الأحوال،
اتمني لكل من شارك في هذا العمل أن يتوب إلى الله ويعلم أن الله وحده خالق ومدبر كل شيء، يسمع صوت عبده دون الحاجة لوسيط أو قريب، حاشي لله، أن يجعل بينه وبين عباده أحدا مهما كان صلاحه، الله يسمع دعوتك ولو كنت فى غياهيب الكهوف والظلمات، الله وحده يقضي حاجتك لو كنت فى قمة المحن والابتلاءات، الله وحده مالك الكون كله له الأمر وبيده كل الزمام، لذلك هو وحده كفيل بمغفرة الذنوب والتجاوز عن الآثام دون الحاجة لولي أو صاحب مقام.
د/ محمد كامل الباز