صعوبات النصر في وقت الحسم كما رواها الفريق الشاذلي
كتب: د/أحمد مقلد
الله أكبر بسم الله كانت أعظم الهتافات بين جنود النصر وسبب من أسباب توفيق الله ونصره لنا، رغم وجود موانع تعوق ذلك، ولكن بجهد القادة وببسالة الجنود تحقق النصر، وفي تمام الساعة الثانية ظهرا ينطلق وطيس المعركة وتنطلق قاذفات الطائرات التي تحولت إلى نسور جارحة تتصيد ضحاياها، وكانت بداية العبور للقناة بعد فتح الثغرات في خط برليف المنيع، والآن نعود لنعرف كيف كانت المعوقات وكيف نجحنا في تخطيها.
فالتخطيط لحرب أكتوبر تم بطابع خاص لكون التسليح والتنظيم الطبيعي لم يكن ليحقق النصر لذا تم استخدام خطط وخيال المخططين في جميع المجالات بهدف توفير حلول عملية للعبور وقد تزامن ذلك مع تجريب تلك التجهيزات حتى تم الاستقرار على خطة العبور وتحقيق النصر.
ومن أهم المعوقات هو عبور القناة حيث أنه في العادة يتم الدفع بمفرزة برمائية تقوم بإنشاء رأس الكوبري ويتبعها المهندسون الذين ينشئون هذا الكوبري حتى تعبر من خلاله القوات الرئيسية ولكن كان من الصعب اقتحامها نظراً للأبعاد التالية: –
أولاً: – القناة عرضه بين 180 و200 متر، وحوافها حادة الميل ومكسوة بالدبش والحجارة لمنع انهيار الاتربة والرمال للقاع مما شكل صعوبة في عبور الدبابات البرمائية الا إذا تم تجهيز مطلع ومهبط للنزول الي الماء والخروج منها.
ثانياً: – قيام العدو بتنفيذ ساتر ترابي على الضفة الشرقية للقناة وبارتفاع يصل الي 20 متراً مما يعوق أي مركبة بر مائية من العبور وكان ميله يتقابل مع ميل شاطئ القناة وكانت درجة الميل ما بين 45 و65 درجة.
ثالثاً: – مع وجود الساتر الترابي بني الإسرائيليون خط بارليف وهو عبارة عن 35 حصناً تتراوح المسافة بين كل منهم حوالي كيلو متر واحد في الاتجاهات المهمة و5 كيلو متر في الاتجاهات الغير مهمة على طول القناة وكانت هذه الحصون مدفونة تحت الأرض وذات سقف قوي بما يجعلها قادرة على تحمل قصف المدفعية الثقيلة وكان يحيط بها حقول الغام وأسلاك كثيفة، وكان العدو متمكن من مداخل الدشم بما يسمح له بإغراقها بنيران كثيفة، وكان هناك طرق لمرور دبابات العدو بشكل يسترها عن المتابعة وكانت جميع الحصون لديها اكتفاء ذاتي لمدة سبعة أيام ولديها وسائل اتصال حديثة للتواصل مع قيادتهم.
رابعاً: – أراد العدو الإسرائيلي ان يبث الرعب في نفوس عدوهم من خلال النيران المشتعلة فوق سطح الماء حتى يحترق كل من يحاول عبور القناة.
ورغم تلك الصعاب تغلب الجيش المصري عليها وبلغ النصر، وتغلب على الصعاب السابقة من خلال:
أولاً أنشاء الكباري وتنفيذ ثغرة في الساتر الترابي:
قام سلاح المهندسين بتنفيذ 10 كباري للأحمال الثقيلة و5 للأحمال الخفيفة مشاة عائمة، كما قام المهندس “باقي زكي”، بتقديم اقتراح لفتح ثغرة في جسم الساتر الترابي من خلال استخدام مضخات المياه، وبعد عدة تجارب اتضح ان كل متر مكعب من المياه يزيح متراً مكعباً من الرمال والعدد المناسب لحدوث كل ثغرة هو خمس مضخات وقد تم توفير 300 مضخة مياه انجليزية الصنع و150 مضخة اخري المانية الصنع بقوة أكبر من المضخة الإنجليزية وبتخصيص 3 مضخات انجليزية ومضختين المانيتين لكل ثغرة كان من الممكن إزاحة 1500 متر مكعب من الاتربة خلال ساعتين فقط وبعدد من الافراد يتراوح ما بين 10-15 فرداً فقط.
ثانياً التغلب على مشكلة النيران المشتعلة:
كان يجب ان يتم منع العدو من استخدام هذا السلاح والذي يتضمن خزانات كبيرة من السائل الحارق وانابيب متصلة بالخزانات وحتى سطح القناة الذي يطفو فوقه سائل الاحتراق، وحيث ان الخزانات والانابيب مدفونة بشكل جيد ومن الصعب تخريبها، أما فتحات المواسير كانت تختفي تحت سطح الماء عندما يكون هناك (مد) وتظهر عندما يكون هناك (جزر)، لذا كان هناك مخطط لتعطيل تلك الفتحات قبل ان يستخدمه العدو، وارسال مجموعات قتالية لتدمير خزانات السائل الحارق.
وكان على الجانب المصري اختيار نقط العبور حتى تكون فوق اتجاه التيار حيث ان السائل الحارق يعوم مع التيار وبالتالي يكون عديم الفائدة ضد أي قوات تعبر من فوق اتجاه التيار، وكانت الخطة البديلة في حالة الحاجة لانتخاب قطاع تحت التيار وفشل جميع محاولات ابطال هذا السلاح ونجح العدو في تشغيله فإننا سوف نقوم بإيقاف عملية العبور الي ان ينتهي تأثير هذه النيران والتي تستغرق حوالي 15-30 دقيقة للاحتراق.
ثالثاً أحمال جندي المشاة:
فور بدء الهجوم وبعد عمل الكباري بحوالي ساعتين فان الدبابات والأسلحة الثقيلة لن تعبر الي الشاطئ الاخر بأعداد مؤثرة تسمح بدعم المشاة الا بعد مرور حوالي 18 ساعة من بدء الهجوم، لذا كان التفكير في تجهيز الجنود المشاركين في العبور لمواجهة تلك التحديات حتى يتوفر لهم الأسلحة والعتاد والغذاء والماء لمدة يوم كامل، وذلك لما سيواجهه جندي العبور من هجمات مضادة الصواريخ والدبابات والطائرات التي تهاجمه، وقد تم تعديل الاحمال لتتراوح ما بين 23 كجم و30 كجم، وفي بعض الأحيان كان يحمل البعض أكثر من 30 كجم.
رابعاً عربات الجر اليدوي:
تم العثور على عربة جر يدوية ولها ذراع طويل لحمل المعدات العسكرية في أحد مواضع هجوم العدو الاسرائيلي في منطقة البحر الأحمر عام 1970م أثناء محاولة مهاجمة ميناء سفاجا، وتم طلب تنفيذ 6 عربات مثلها من خلال قسم الشئون الفنية وقام رئيس الشئون الفنية بشراء 24 عجلة دراجة نارية ماركة فيسبا من سوق الكانتو وذلك لتنفيذ العربة بشكل أفضل من العربة الإسرائيلية، ويتعاون في جرها فردين وأقصي حمولة لها هو 150كجم من الأسلحة والمعدات التي تدعم عملية الهجوم والعبور.
خامساً استخدام الزجاج السميك المعتم:
والمستخدم لدي عمال لحام الاوكسجين وذلك تجنباً لقوة أشعة (Zenon زينون) البالغة القوة والتي كان يستخدمها العدو ضد صائدي الدبابات من جنودنا.
سادساً استخدام السلالم في التسلق:
وقد تم استخدام سلم من الحبال وله درجات من الخشب، وذلك حتى يسهل طيه وحمله ثم فرده على الساتر الترابي وبذلك يستطيع جنود المشاة تسلق الساتر الترابي دون ان تغوص قدماه في الترابي، كما انه يوضع سلمين متجاورين لجر مدافعنا وعربات الجر التي ترافقنا دون ان تغوص في الرمال.
ونظراً لكون عملية العبور كانت تتطلب قدر كبير من الدقة في تنفيذ التعليمات والسير طبقاً للخطة الموضوعة والتي تم اعلام كل فرد بموقعه ومكانه وخط سيره وقد رافق الجنود توفيق الله وتزامن مع هذا الانتصار حدوث تغير في نظرة العالم لقدرة ومكانة الجندي المصري والذي لا يقهره عدو.