“طريق الكباش” جسر ما بين الماضي والحاضر
بقلم الكاتبة: إنجي الحسيني
شهد الرئيس عبد الفتاح السيسي والشعب المصري إنجازا جديدا يضاف إلى سجل الإنجازات المزدحم؛ وهو افتتاح طريق المواكب الملكية والمعروف إعلاميًا بطريق الكباش، وفي تغطية موسعة حضر الاحتفالية أكثر من 200 من ممثلي وكالات الأنباء والصحف والقنوات التليفزيونية المحلية والدولية لنقل الفعاليات لكل شعوب العالم.
“طريق الكباش” هو المسار المقدس الذي يحكي كيف تتواصل الديانة المصرية القديمة عبر العصور حيث يوجد على جانبيه المسجد والكنيسة والمعبد، وترجع أهميته التاريخية نظرًا لأنه طريق أثري استخدمه القدماء المصريين لإقامة الاحتفالات والمراسم الملكية وغيرها من المناسبات المرتبطة بالأعياد، مثل إقامة عيد “الأوبت الفرعوني” كواحد من الأعياد والاحتفالات الدينية بمصر القديمة، فكان تنقل من خلالها تماثيل ثالوت طيبة “آمون رع وآمون والإله خونسو” داخل مراكبهم المقدسة في موكب احتفالي من معبد آمون بالكرنك، إلى معبد الأقصر، لإعادة تتويج الملك وتجديد شرعيته لحكم البلاد.
بدأ الحفر في طريق الكباش في عهد الأسرة الثامنة عشر، ثم اكتملت أعمال الحفر الخاصة بطريق الكباش الجديد في عهد الأسرة الثلاثين، ويصل طريق الكباش الجديد بين اثنين من أهم المعالم الموجودة في مدينة الأقصر وهما منطقة معابد الكرنك ومعبد الأقصر، ويتسع الطريق بعرض 76 مترًا، بينما يصل طول الطريق إلى 2,7 كيلو مترًا، كما يوجد على جانبي طريق الكباش الجديد تماثيل لأبي الهول ولكنه يحمل رأس كبش..
يعود تاريخ مشروع تطوير طريق الكباش إلى عام 2006 حينما بدأت وزارة الثقافة مشروعًا لإحياء الطريق والكشف عن التماثيل المدفونة، أعيد استكمال المشروع من جديد عام 2017 وواجه عدداً من الصعوبات منها؛ إزالة التعديات السكنية التي تعيق استكمال الطريق وانتشار فيروس “كورونا”، ولكن الاصرار والارادة كللت بالنجاح حيث عمل فريق مكون من 60 أثرياً و150 من المتخصصين في أعمال الترميم العلمي، إضافة إلى 300 من خرجي الآثار والمرممين، للانتهاء من ترميم الكباش الأثرية، على جانبي الطريق.
وأعتقد أن اعادة تقديم مدينة الأقصر من خلال هذا الأحتفال الأسطوري يؤكد على أن مصر ستظل بلد الأمن والأمان وأنها بالفعل قد استعادة عافيتها واستطاعت الانتصار على الارهاب وعلى كل رموزه خاصة بعد أحداث 25 يناير2011، هذا غير المكاسب السياسية والاقتصادية من خلال انعاش قطاع السياحة والذي عاني ركودًا لفترات طويلة، فقد زادت عدد الوفود والرحلات الجوية القادمة من الدول الأجنبية وكذلك زيادة أعداد رحلات البالون الطائرإلى ما يقرب من 20 رحلة يوميًا والتي سجلها مطار الأقصر الدولي.
هذا التوقيت الذكي يتواكب مع استعدادات مطار شرم الشيخ الدولي لاستيعاب الأعداد المتزايدة للركاب حيث تتأهب محافظة جنوب سيناء للاحتفال بمشروع التجلى الأعظم بمدينة سانت كاترين، لنقدم من خلال أرض الكنانة رسالة أخرى للعلم مفاداها أن مصر تمثل تلاقي لكل الأديان وهي أول معلم للبشرية ورحم كل الحضارات، وهذا ما رسخته فقرات هذا الحفل الرائع من غناء وموسيقى واستعراضات وديكورات واضاءة وأزياء، كدليل على أن مصر هوليوود الشرق تتمتع بزخم وتنوع فني وثقافي فريد وبصمتها واضحة على كل الأصعدة.
وفي خضم الاستعداد للحفل لم تنس القيادة السياسية أهالي القري المتضررة من السيول بمحافظة أسوان، وقام الرئيس عبد الفتاح السيسي بزيارة ومعاينة الوضع على أرض الواقع، ولم تكن تلك الزيارة من قبيل الواجب فقط ولكن من دافع إنسانياته المعهودة، وتنفيذًا لتوجيهات الرئيس في التعامل الفوري مع الأزمة تم تنظيم عدد من القوافل الغذائية والطبية، كما تم البدء على الفور في ترميم المنازل المتضررة والتجهيز الكامل لعدد 500 منزل لنقل أهالي القرى المتضررين إليه، كما توجه الرئيس بضم قرية غرب أسوان وجميع قرى مركز أسوان ضمن قرى المبادرة الرئاسية “حياة كريمة”.. وأعتقد ن تلك الزيارة أبلغ صفعة على وجه المشككين والذين دأبوا على الاساءة للدولة بعد كل إنجاز وهو خطاب عملي بأن مصر لكل المصريين ولم يلهيها الاحتفال عن أولادها.
فالحفاظ على عظمة تلك الحضارة والفخر بانجازات الماضي والحاضر؛ هو أمر ضروري لترسيخ قيم الأصالة والجذور والانتماء لتلك الأرض، وهو ما تسعى إليه الدولة بتعزيز مكانة مصر السياحية، وأتمنى أن تنظم وزارة التربية والتعليم رحلات مدرسية لأولادنا الطلبة لزيارة تلك المزارات والمتاحف والأماكن السياحية مع توفير ذلك بخدمة متميزة وتكلفة منخفضة مراعاة للمستوى المعيشي لطلبة الأقاليم والنجوع؛ كي يتعرف الأطفال والشباب على عظمة الأجداد، واعطائهم أهم درس في حياتهم وهو أن أصل الحضارات “مصري” لم يصل العالم حتى الآن إلى أسراره، وأن مقومات ماضينا المشرف يكمن في “العلم والعمل والارادة والريادة ” وقد رأينا تلك المقاومات عندما استعدنا الأرض في أكتوبر 73وحينما اسقطنا الارهاب في 30 يونيو 2013، وكذلك عند كل إنجاز نحتفي به ويقف له العالم مشدوها، فهكذا هو “المصري” دائما ما يفاجئ العالم كما يبهره أجداده حتي الآن.. فطريق الكباش ما هو إلا جسر بين الماضي والحاضر.