عبد الحليم حافظ “يتهم بسرقة الألحان”… معركة الإعلام التي صنعت أسطورة جديدة

كتبت / دنيا أحمد
في بداياته الفنية، تعرض العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ لاتهامات قوية جعلت من مشواره الفني رحلة مليئة بالتحديات. حيث وُجهت له تهمة “سرقة الألحان” أو “التقليد” بشكل مبالغ فيه، وتحديدًا الألحان التي كان يقدمها موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب.
لكن عبد الحليم حافظ لم يقف مكتوف اليدين، بل خاض معارك إعلامية وصراعات فنية ضخمة لإثبات موهبته الفريدة والمميزة، ليصبح في النهاية واحدًا من أبرز الأصوات في تاريخ الغناء العربي. بل وأكثر من ذلك، وصل إلى مرحلة اختياره من قبل محمد عبد الوهاب نفسه لغناء ألحانه.

القصة كاملة:
عندما بدأ عبد الحليم حافظ مشواره الفني في بداية الخمسينات، كان يعتبر من الأصوات الجديدة التي تميزت بأسلوبها الفريد في الغناء. ولكن، ورغم هذه الموهبة، تعرض لانتقادات قاسية من قبل بعض النقاد والجماهير، حيث وُجهت له تهمة “سرقة ألحان” الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب.
عبد الحليم حافظ كان قد بدأ بالغناء باستخدام ألحان تشبه إلى حد كبير ألحان محمد عبد الوهاب، مما دفع البعض للاعتقاد بأنه مجرد مقلد لهذا الموسيقار العظيم. هذه التهمة كانت قاسية على الشاب الذي كان في بداية مشواره، ورغم موهبته، إلا أن الكثير من الناس كانوا يشككون في أصالته الفنية.

المعركة الإعلامية:
لم يكن عبد الحليم حافظ ليمرر هذه الاتهامات بسهولة. فقد دخل في معارك إعلامية طاحنة مع النقاد والفنانين الذين وجهوا له هذه التهم.
وكان دائمًا ما يرد على هذه الاتهامات بالقول إنه يتعلم من عبد الوهاب ولا يقلده، بل يسعى إلى تطوير وتقديم فن جديد يعبر عن شخصيته الخاصة.
وخلال هذه الفترة، بدأ عبد الحليم حافظ في تقديم أغنيات بألحان أكثر تنوعًا بعيدًا عن التقليد، مما ساعده على تطوير أسلوبه الخاص وإثبات موهبته.
الاعتراف بالموهبة:
مع مرور الوقت، استطاع عبد الحليم حافظ أن يثبت للجميع أنه ليس مجرد مقلد، بل هو فنان ذو موهبة استثنائية وأسلوب غنائي خاص به.
ومع تطور مسيرته الفنية، أصبح من أكثر الفنانين شهرة في الوطن العربي، وأغنياته أصبحت أيقونات في تاريخ الموسيقى العربية.

في مرحلة ما بعد هذه الصراعات، أصبح محمد عبد الوهاب نفسه يختار عبد الحليم حافظ لغناء ألحانه، ليؤكد للجميع أن العندليب الأسمر قد وصل إلى المكانة التي تستحقها موهبته.
تعليقات عبد الحليم حافظ:
في إحدى مقابلاته الشهيرة، قال عبد الحليم حافظ: “أنا لم أكن أبحث عن تقليد عبد الوهاب، بل كنت أستفيد من تجربته. تعلمت منه الكثير، ولكنني كنت أريد أن أضع بصمتي الخاصة. كانت الاتهامات في البداية صعبة، لكن مع مرور الوقت، أثبتت أنني فنان مستقل. إنني لم آتِ لكي أكون صورة طبق الأصل من أحد، بل جئت لأصنع طريقي الخاص”.

تعليقات النقاد الفنيين:
من جانبه، قال الناقد الموسيقي الراحل علي عبد الرحمن: “كان عبد الحليم في البداية عرضة لبعض الاتهامات بسبب تشابه أسلوبه مع أسلوب عبد الوهاب. ولكن ما يجب أن نلاحظه هو أن عبد الحليم لم يكن يقلد فقط، بل كان يحاول دمج ألحان عبد الوهاب مع أسلوبه الخاص، مما أعطاه طابعًا مميزًا يختلف عن غيره. في النهاية، أثبتت أغنياته أنه كان فنانًا فريدًا، وجاءت ألحانه الخاصة لتثبت ذلك”.
الناقدة الكبيرة أمينة شفيق أضافت: “عبد الحليم حافظ لم يكن مجرد مقلد، بل كان صاحب موهبة حقيقية. من خلال أغنياته الخاصة التي قدمها لاحقًا، أظهر للجميع أنه كان قادرًا على تقديم فن متفرد وأصيل، وهذا ما جعله واحدًا من أعظم الأصوات في تاريخ الموسيقى العربية”
أهم المحطات:
أحد أبرز الأغاني التي شهدت تعاونًا بين عبد الحليم حافظ ومحمد عبد الوهاب كانت أغنية “أهواك”، التي لحنها عبد الوهاب وقدمها عبد الحليم عام 1957. وكانت هذه الأغنية نقطة تحول كبيرة في حياة عبد الحليم، حيث أعطته دفعة قوية وأظهرت للجميع أن العلاقة بينهما قد تغيرت إلى الإعجاب والاحترام المتبادل.

في النهاية فـ ان تهمة “سرقة الألحان” التي وُجهت لعبد الحليم حافظ في بداياته لم تكن سوى بداية لرحلة شاقة من التحديات التي مر بها هذا الفنان العظيم.
لكن بفضل إصراره وموهبته الفذة، استطاع أن يثبت للعالم أنه ليس مجرد مقلد، بل هو فنان كبير بذاته.
ومع مرور الوقت، أصبح عبد الحليم حافظ جزءًا لا يتجزأ من تاريخ الموسيقى العربية، وواحدًا من أعظم الفنانين الذين أضافوا للغناء العربي قيمة لا تُنسى.
والأهم من ذلك، أنه أصبح الاختيار الأول للموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب لتقديم ألحانه، مما جعل الحلم يتحقق: من “المتهم بالسرقة” إلى “المختار لغناء ألحان العظماء”.






