علمتني طبلية أبي!! … بقلم : حمادة سعد
الطبلية .. تلك المساحة الخشبية الصغيرة إن نطقت ستروي حكايات وقصص من زمن جميل جمع فيه شمل الأسرة بين أب عطوف حكيم ، وأم حنون ، وأخوة وأخوات متحابين جمعهم الحب ، وربطتهم صلة الدم والنسب.
حكايات الأحلام المشتركة ، وأحاديث السمر فوق سطوح المنازل في ضوء القمر .
حكايات المذاكرة والاجتهاد فكانت المطعم ، والمكتب ، ومنصة القضاء بين الإخوة المتخاصمين بسبب الصراع على قطعة دجاج أكبر من الأخرى ، أو شرب الجزء الأكبر من زجاجة الحاجة الساقعة وتعدي الخط الأحمر الذي رسم بموافقة الطرفين.
حكايات كانت عامرة بالنصائح من الأب ( كبير البيت) ، ودعوات الأم البسيطة التي كانت تفخر بأولادها لأقل إنجاز….
على طبلية أبي تعلمت أن الإنسان إن لم يشبع قبل أن يقوم من على طبليته فلن تشبعه أموال العالم فزادها كان القناعة والرضا والسير وفق ما يمليه الإيمان.
علمتني طبلية أبي أن بنت الجيران لاتقل عن الأخت أهمية في استحقاق الحماية والرعاية ، وأن الجار كالوالد وبره واجب .
علمتني طبلية أبي أن كبار السن في المواصلات العامة لهم كل تقدير واحترام ، وكذلك لهم الأولوية في تقدم كل الطوابير، وأن المبادرة في تقديمهم تحفظ لنا ماء الوجه قبل أن ينطقوا بحرف واحد كي يسمح لهم بذلك.
علمتني طبلية أبي أن حزن جاري مقدم على فرحي ، فلا يحق لي أن أحتفل بأي مناسبة وأعلن فرحي وأجور عليه وهو يكابد الأحزان في وفاة عزيز لديه .
علمتني طبلية أبي الكذب يسلب الشرف ، ويقتل المروءة ، ويسقط صاحبه من نظر الآخرين، وأن الصدق مع الأذي أسمى من الكذب مع الأمن الزائف لأن ( الكدب مالوش رجلين) .
علمتني طبلية أبي أن المسؤولية والرجولة لا تنتظرنا حتى البلوغ ، بل هي بذرة تنمو بنمونا وتفنى بفنائنا .. تبدأ معنا فور وعينا بالحياة من حولنا ثم تتعاظم مع مرور الزمن ..فتبدأ كطفل يؤدي واجباته ويحترم والديه ، وتنتهي بأب أو جد لا يدخر وسعا في بذل كل غال ورخيص من أجل من يعول.