سياسة

عملية الكافير من سجلات المخابرات المصرية

عملية الكافير من سجلات المخابرات المصرية

عملية الكافير من سجلات المخابرات المصرية
طائرة الكافير  

كتب: حنا النجار

فى اواخر نوفمبر 1971 عندما كان العقيد اكرم متجهاً الى باريس .. فوجد هذا الأخير نفسه بمطار تل ابيب عندما نبهه ضابط الجوازات بذلك .. و اصبح فى مأزق خطير عندما سُئل عن عمله، لأنه جاوب فى منتهى البساطه ” ضابط بالقوات المسلحه المصريه ” و كان جواز السفر الذى يحمله يؤكد ذلك !! .. انقلب مطار تل أبيب رأساً على عقب وتم إعلان حالة الطوارئ فى جميع اجهزة الأمن الإسرائيلية مع التحفظ على العقيد أكرم الذى كان لا يعلم اى شئ عن تلك الخطوه الجريئه و هى من صنع المخابرات المصريه.

لكن قبل ذلك اليوم المشئوم بأسابيع قليلة، كان هناك فريق من المخابرات المصرية يعمل جاهداً للعثور على ثغرة ما يتم من خلالها الوصول إلى الطائرة الاسرائيلية ( الكافير ) .. فقد نمى الى علمهم ان اسرائيل تحاول تصنيع تلك الطائرة التي تفوق سرعة الصوت لكنهم – الإسرائيليون – كانوا يحاولون التخلص من عيب تقني بالطائرة. و هذا يعني أن الدخول من بوابة الحرب أصبح مستحيلاً لنا مع انقلاب موازين القوى.

لذلك، كان من اللازم علينا أن نحصل على كل المعلومات الممكنة حول الكافير.

فلم نجد سوى العقيد أكرم المصري الذي فاجأ الموساد بتشريفه لهم بتل ابيب و فاجأ المخابرات المصرية مجهوداته الغير متوقعة. و ها هو قد حصل على كل ما كنا نبتغيه و نجح فى خداع الموساد. لكنه لم يكتفي بهذا .. فقد قدم لمصر جميلاً لن تنساه .. لأنه أطاح بالكافير من الخدمه و احال تلك الطائرة الشابة الى المعاش.

بما أن عمليات المخابرات لا تعرف المستحيل توصلت عقول المخابرات الحربية إلى خطة محكمة تساعدهم على اختراق سوار الأمن المفروض على الطائرة الكافير. وكانت تلك الخطة نتيجة لما وصل لمدير المخابرات الحربية وهو أن الرئيس الفرنسي جورج بومبيدو قد أشرك الحكومة الفرنسية فى المشروع التى تقدمت به شركة Aerospatiale الفرنسية لصناعة الطائرات الكونكورد. وهي أول طائرة ركاب ضخمة تطير بسرعة الصوت. لكن بعد التجارب التى اجريت على الطائره الأولى، لوحظ ان هناك اهتزازات فى جسم الطائرة، و هو نفس العيب الموجود بالطائرة الكافير. و فشل الخبراء الفرنسيين فى اصلاح هذا العيب. لذلك، اتصلت الحكومة الفرنسية بمصر و طلبت منها مساعدة المهندس العقيد اكرم المصرى. فلدى هذا الرجل بحث بجامعة السوربون يناقش موضوع الاهتزازات هذا. لا اخفى عليكم ان هذا الطلب ازعج المخابرات الحربية بشدة لأنه اذا نجح العقيد اكرم في إصلاح الكونكورد، فسوف يعلم الإسرائيليين بذلك. و تدخل الكافير الخدمه. و هنا كانت أهداف العملية المستحيله:-

(1) إصلاح الطائرة الكونكورد و وضع القوات الجوية في مكانه عالميه

(2) عدم السماح للفرنسيين بمعرفة كيفية إصلاح الطائرة

(3) الوصول إلى الكافير بعد التجنيد المتوقع من الموساد لأكرم

(4) الحصول على المعلومات المطلوبة عن الكافير دون اصلاحها

كل ما كان العقيد اكرم يعلمه هو انه ذاهب الى فرنسا فى مهمه سرية لاصلاح الكونكورد و قد زودته المخابرات المصرية دون علمه بجهاز تصنت دقيق للغايه.

منذ أن ترك العقيد اكرم مطار القاهره، ظل هذا الرجل غارقاً فى كتب هندسة الطيران التي كان يحملها معه غير مبالي بما حوله. و فى مطار روما، انتبه الى النداء على طائرته المتجهة الى باريس فقام مسرعاً الى بوابة طائرته لكنه اصطدم و هو يجرى بأجنبي فأسقط منه كارت الـ Boarding، فانحنى هذا الرجل اليونانى الملامح و اعطى له الـ Boarding بعد ان اعتذر له. فاسرع اكرم الى بوابة Air-France، فأشارت المضيفة له على البوابة الأخرى التى اتجه اليها اكرم مسرعاً غير مدركاً انه دخل بقدميه الى طائرة العال الإسرائيلية. (ما حدث هو أن ذلك الرجل اليوناني قد ابدل كروت الـ Boarding عن عمد بتعليمات من المخابرات المصرية). فقد نبهت المخابرات على المهندس اكرم ان يحمل الـ Boarding دائماً فى يده. ظل اكرم يقرأ و لم يلاحظ الجو الاسرائيلى المحيط به فى الطائرة. و حدث ما ذكرته سابقاً فى مطار تل أبيب وتم استجواب اكرم عن طريق ضابطة الموساد مارجو. و بعد تحريات الموساد عن اكرم و بعد علمهم بمهمته، صدرت الأوامر مارجو بتجنيده. و هنا فقط، نجحت المرحلة الأولى من عملية الكافير و هي “الدفع”.

اقترحت ضابطة الموساد على اكرم بأن يعود الى روما اولاً ثم يتجه الى باريس بعد أن لقنته بما سيقوله للملحق العسكرى المصرى بفرنسا يبرر تأخيره. حاولت مارجو باستخدام وسائل غير شرعية للسيطرة على أكرم لكنها لم تنجح في ذلك. لأنه بكل بساطة مؤمن يخشى ربه. فهددته أن تقتل زوجته و اولاده .. اهتز اكرم بشدة و وافق فوراً. لم يكن يعلم أى شئ عن الكافير فى ذلك الوقت و اوهمته مارجو بأنهم جندوه لينقل لهم أسرار القوات الجويه. طلبت مارجو أن تسافر وراء اكرم الى باريس لمتابعة. و فى فندق من فنادق باريس الفاخرة، كانت هناك 4 غرف تابعة لأحداث العملية. غرفة العقيد اكرم و كانت مجهزه من قبل الموساد بكاميرات خفيه. غرفه اخرى بها شاشات المراقبة و توضح ما يفعله اكرم. و غرفة مارجو المجاورة لغرفة اكرم

وقعت هذه الأخيره فى حب العقيد اكرم وكانت مطاردتها له بباريس بشعة. و كان هذا الأخير يتساءل دائماً، أين المخابرات المصريه من كل هذا؟لقد قالوا له انه سوف يكون تحت حمايتهم طوال مدة سفره.

بعد أن نجح العقيد اكرم في إصلاح الطائرة الكونكورد، عن طريق وضع اثقال فى اماكن معينة بجسم الطائره، اقترحت عليه مارجو ان يطلب من سفارتنا بباريس اجازه مدتها عشرة ايام لكى تعود هي إلى إسرائيل لتسرق كل الوثائق و المستندات التى تدين اكرم و تهرب معه الى مصر. فقد وقعت فى خطأ جسيم عندما وقعت فى غرامه و أفشت له السبب الحقيقى وراء تجنيد الموساد له. و عندما رفض اكرم، هددته بالغرفة الرابعة التى لم نتطرق اليها بعد. قبل هذا التهديد بيومين، و فى الفندق الذى يقيم به اكرم، تسلم هذا الأخير رساله من سيد أهدته بها المخابرات المصرية. و كانت تلك الرسالة القصيرة تحمل هذه الكلمات قابلنى فى الحجره 606 بعد انقطاع التيار الكهربائى. وكانت تلك الرسالة عليها علامة النسر. و هذا يعنى انها من المخابرات الحربية. و فعلا عندما انقطع التيار، نفذ اكرم المطلوب. وكانت مارجو تتابعه من شاشات المراقبة. و كإجراء روتينى من اى ضابط مخابرات محترف، خرجت مارجو من حجرة المراقبة متجهة الى غرفته. لكنها فوجئت به يخرج منها متجهاً الى السلالم. فظلت تراقبه حتى وجدت يد تخرج من تلك الحجرة و تسحبه الى الداخل فى تلك الأثناء، كان التيار الكهربائي قد عاد. و ايضاً عادت مارجو الى حجرة المراقبه فوجدت زميلتها تستنفر ما يحدث. انقطع التيار مرة اخرى وعندما عاد، كان اكرم بحجرته هذه المرة.

بهذا التهديد، لم يدرى اكرم بما سيفعله. هل يبلغ عن مارجو للموساد؟ لكن ماذا يحدث لو ابلغت هى عنه؟ ربما يشك الموساد فى امره و يكشفونه بطريقة ما. لقد كان أكرم فى تلك اللحظات مرتبكاً و خائفاً بحق. و لأن المخابرات المصرية كانت مدركة لشعوره هذا، تحركت على الفور و ارسلت له رساله اخرى محتواها: “أبلغ عما حدث من مارجو لمندوب الموساد الجديد”. و لم يكن يعلم من هو او هى مندوب الموساد الجديد حتى فوجئ ان Virginia مديرة العلاقات العامة بشركة Aerospatiale و التى تولت برنامج زياراته بفرنسا هى نفسها ضابط الموساد الثانى. فأدرك انه محاط بشبكة عنكبوتية من الموساد فأبلغ Virginia بكل ما ورد من مارجو معه و بذلك، اكتسب هو ثقة الموساد. من ناحية أخرى، في تل أبيب، كانت مارجو فى حجرة الاستجواب بالموساد. ليس بسبب بلاغ اكرم عنها .. لكن بسبب الكلمات التي وضعت تحتها خط. اصرارها على الذهاب وراء اكرم بباريس و حجز غرفة لها بجانب غرفته على الرغم من أن هناك غرفة مراقبة. فشك ضباط الموساد فى انها وقعت فى غرام اكرم، فوضعوا كاميرات مراقبة فى حجرة مارجو و سمعوا كل ما دار بينهما عن الهروب إلى مصر. والغريب فى الأمر أن مارجو لم تقل للموساد اى شئ عن الحجرة 606 لكى تنتقم منهم. و من حسن حظ اكرم، ان الحديث الذى دار بينهما هو و مارجو عن اكتشافها علاقته بالمخابرات المصرية، لم يكن بغرفتها.

عن طريق Virginia، توصل اكرم إلى الكافير بعد أن طلبت الموساد منه اصلاحها. لكنه اقنع المهندسين الإسرائيليين بذكاء شديد جدا بأنه لا فائدة من محاولاتهم. حتى جاء اليوم الرابع و اصلح العيب الموجود بالكافير .. لكن على حساب الـ stall speed للطائره.

و الـ stall speed هذه هى سرعة سقوط الطائره .. فكل طائرة لها سرعة قصوى (Maximum speed) وأدنى سرعة الطائرة (stall speed) فإذا حلقت المقاتله بسرعه اقل من الـ stall speed، تسقط على الفور. لذلك، كلما تناقصت سرعة السقوط، كلما زادت قدرة الطائرة على المناورة. فالطيارون يستخدمونها في مناوراتهم مع الطائرات الأخرى بحيث يقوم الطيار بابطاء سرعة طائرته الى اقلها حتى تضطر المقاتله التى تطارده ان تتخطاه و بالتالى يتمكن هو من ركوبها و الارتفاع عليها ثم ضربها. و بهذه الطريقه، اصبحت سرعة سقوط الكافير اعلى من سرعة سقوط اى طائره بقواتنا الجوية. وبالتالى خرجت الكافير من الخدمة دون أن تعلم.

سعيد المسلماني

مساعد رئيس تحرير الموقع
زر الذهاب إلى الأعلى