مقالات

فراقٌ لن يدوم! 

فراقٌ لن يدوم! 

فراقٌ لن يدوم! 
ارشيفية

كتب / د. محمد كامل الباز

عندما أشاهد حال الدنيا وما تؤول إليه، أندهش وأتعجب، نحن جميعًا-ولا أستثني إلا القليل-نحرص دائمًا على الدنيا والاستمتاع بها وإعدادها ليس لعقد بل لعشرات العقود، يقحم نفسه ووقته وأعصابه ونفسيته من أجل العمل، وذلك لسبب واحد هو تأمين حياته وحياة أسرته من بعده، يعيش الواحد منّا طيلة حياته كادح في الدنيا كي يستريح مستقبلًا، ولكن هيهات أن تأتي تلك اللحظات.

وعلى حسب المستوى الإجتماعي يكون التعب والتخطيط، من ليس عنده منزل يخطط لامتلاك واحد، من يمتلك بيت يود أن يكونا اثنين، صاحب السيارتين يعمل من أجل تزويدهم لثلاثة… إلخ.

طاحونة لا تنتهي وتعب متواصل، غمامة كبيرة أصابت معظمنا وأصبحت لا تُرى حقيقة الدنيا من خلالها.

أثناء تأملي لتلك الحياة التي أصابت الكثير بالتيه والضلال، لفت نظري ملحمة غريبة وعجيبة أرى أنها تستحق التأمل بل والدراسة أيضًا، هي أرض غزة الأبية ومايحدث فيها منذ أكثر من عام، عندما أشاهد لقطات الأخبار أو مقاطع السوشيال ميديا يجنّ عقلي، تفقد الأم جلّ أبناءها أمام عينيها، فتجدها صامدة محتسبة تكمل حياتها، تقابل الوالد الذي قُتلت أسرته بالكامل ويخرج صابرًا راضيًا بقضاء الله.

منذ أيام قليلة وبعد فراق يُدمي القلب ذهب (خالد نبهان) الجد الشهير صاحب مقولة (روح الروح) التي تركت جرحًا في قلوب كل من له قلب في هذا العالم، هذا الجد الذي شاهد العالم كله حزنه منذ عام على فراق حفيدته حيث كان يعدّ للاحتفال بيوم ميلادهما سويًا ولكن جاء العدوان الغاشم ليكون وحيدًا دونها، جفت الدموع في عينيه وحبيبة قلبه بين يديه جثة هامدة لا تتكلم ولا تتحرك، أخذ يقبّل صغيرته وهو يشتكي للخالق من ظلم الخلْق وطغيانهم، وقف صامدًا محتسبًا على فراق قطعة من قلبه، لم يكن يعلم ذلك الجد أن لقاءه مع حفيدته بات قريبًا وأن بقاءه في ذلك العالم الكاذب لن يطول، ذهب خالد لينتظرنا جميعًا عند قنطرة المظالم، يسأل كلًا منّا عن حق المسلم الذي لم نلتفت له، سيسألنا أمام العلي القدير عن سبب خذلاننا له ولحفيدته، سيسأل بعضًا منّا والذين كانوا سببًا في تمويل العدو بعدم قدرتهم على استكمال حياتهم دون المشروبات الغازية والأكلات المستوردة، سيسأل من صمت ومن خان ومن نسي ومن هان، لن يترك أحدًا فهو الآن ليس موجودًا عند محكمة العدل الدولية ولكنه عند محكمة العدل الإلهية التي لا تبقي ولا تذر، سيكون السؤال صعبًا وعلينا قبل أن نعدّ جوابًا له أن نفكر في حياتنا التي تشغلنا من الألف إلى الياء دون أن نفكر في إمكانية نهايتها فجأة، هل هؤلاء الصامدون المحتسبون الذين يفقدون كل يوم عزيزًا أهون عند الله منّا أم تُرانا بكل ما نحن فيه أفضل منهم؟!

إنه فراقٌ يا خالد لم يستمر أكثر من عام، ولم تترك نفسك للحزن والآلام، لكنك كنت عونًا لكل إخوتك في المخيمات، ساعدت الصغير قبل الكبير، وسيكافئك العلي القدير.

ها قد ذهبت لحبيبتك التي افتقدتها ولم تستطع فراقها، وتركتنا نحن في هذا العالم الغريب. 

فالموت ليس عقابًا لمن اتقى واحتسب، وليس شرًا لمن صمد واعتبر، وليس سوءًا لمن عاش يدافع عن قضية ويؤمن بموقف.

ولكنه كل الشر لمن نسي خالقه وتاه في دنيا لا تساوي عند خالقها حتى الذكر والأثر.

نهى مرسي

نائب رئيس تحرير الموقع
شاهد ايضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: <b>Alert: </b>Content selection is disabled!!