مقالات

 فلسفة منهج “مونتيسوري” والتعلم الممتع

 فلسفة منهج “مونتيسوري” والتعلم الممتع

 فلسفة منهج "مونتيسوري" والتعلم الممتع
حمادة سعد

كتب : حمادة سعد

يخطئ الكثيرون عندما يعتقدون أن التعليم بمعناه الأكاديمي هو مجرد إكساب المتعلم خبرات لغوية وعلمية وحشو عقله بمبادئ القراءة والكتابة ، أو إجراء العمليات الحسابية والتجارب المعملية بكفاءة واقتدار .
فالأمر أبعد من ذلك وأكثر عمقًا ؛ لأن ترسيخ المفاهيم العلمية ، وتنمية المهارات الإبداعية والحركية لدى الأطفال ، وربطهم بواقعهم ومحيطهم ليس بهذه السهولة ولا يخلو من التعقيد .
وإذا أردت أن تختبر صدق هذا القول عليك بطرح بعض الأسئلة من مناهج وموضوعات سبق للطلاب دراستها منذ سنوات ، أو قل إن شئت منذ شهور، ثم قم باختبارهم فيها وسوف تندهش – عزيزي القارئ – بالإجابات التي سوف تشعرك بالمرارة والإحباط فهي كما يقول المثل الشعبي الدارج: ” زي اللي بيحرث في الماء ” فلا أرض حرث ولا وقت قد انقضى ، وعليه أن يستمر في عمله حتى يرى أثر عمله ولكن هيهات .
لذا كان مبدأ ترسيخ المفاهيم هو المسيطر على عقل الطبيبة الإيطالية ” ماريا مونتيسوري”
وهي أول امرأة إيطالية تحصل على درجة الدكتوراه في مجال الطب وكانت شغوفة بمساعدة الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة من ذوي الإعاقة العقلية ، حيث كانت تعلمهم على طريقة ” ميجل سيجوان ” مؤلف كتاب ” التعليم وثنائية اللغة ” وصاحب طريقة تعلم الأعداد عن طريق عداد الخرز ، ولكن طموح ” مونتيسوري ” وكأي عقلية مبدعة تأبى التقليد والاتباع والنمطية جعلها لا تتوانى في البحث والدراسة حتى ابتكرت طريقة فريدة للتعامل مع ذوي الإعاقة العقلية نسبت إليها فيما بعد ، وخرجت للعالم باسم ” منهج أو منهاج مونتيسوري” للتعلم باللعب بمدرستها الخاصة التي أقامتها من مالها الخاص آنذاك .
وباختصار فالمنهج يقوم على ركائز هامة وهي :
1- التكامل الروحي والنفسي والعقلي والجسدي للمتعلمين .
2- تنمية المهارات الإبداعية والتفكير الناقد .
3- الاستقلالية عن الآخرين والاعتماد على النفس
4- تدعيم أسلوب حل المشكلات البسيطة والمعقدة .
5- التعلم من الأخطاء من خلال ” البازل ” والألغاز
6- التخيل الأدبي ” من خلال عرض القصص مفتوحة النهايات “
7- التعلم بالاكتشاف
8- احترام الآخرين والتعاون معهم .
ومن العجيب أن ” مونتيسوري ” قد ذهلت عندما رأت أطفالها قد تفوقوا على الأطفال الآخرين من الذين ليس لديهم أي إعاقة على الإطلاق ، وقالت: “بينما كان الناس في منتهى الإعجاب بنجاح تلاميذي ذوي الاحتياجات الخاصة، كنت في منتهى الدهشة لبقاء الأطفال الأسوياء في ذلك المستوى الضعيف من التعليم” ؛ لذا قررت أن تتوسع في منهجها وطرق تدريسه لكي يشمل كل الأطفال دون تمييز.
ومنهج ” مونتيسوري ” يقسم الأطفال بحسب مراحلهم العمرية إلى أربع مراحل متتالية كالتالي :
1- المرحلة الأولى : منذ الولادة وحتى يكمل الطفل 6 سنوات .
2- المرحلة الثانية : من عمر 6 إلى 12 عامًا .
3- المرحلة الثالثة : من عمر 12 إلى 18 عامًا.
4- المرحلة الرابعة : من عمر 18 : 24 عامًا .
ومن هنا بدأت تتنوع الأنشطة وتتمايز لتتوافق مع كل مرحلة عمرية فتشمل : الألعاب المصنوعة من الخشب والألوان الزاهية و الصلصال والعجين ، وأنشطة التواصل اللغوي مثل : المناقشة والحوار ، و التعبير اللفظي من شكر واعتذار وتحية الآخرين والأنشطة الحسية مثل : لمس الأدوات وتحسسها ؛ مما يسهل عملية غرس المفاهيم في أذهانهم ، ويجعل تواجدها أقوى أثرًا ، والاهتمام بقراءة القصص ، والعزف الموسيقي ومحاكاة الإيقاع بالأيدي والحناجر ، كذلك الاهتمام بالنباتات، وترتيب الأدوات والملابس ، و وضعها في أماكنها بالأرفف المخصصة لها بالقاعة.
وهذا يؤكد شمولية طريقة ” مونتيسوري ” لكل الجوانب ( الحسية ،الحركية، الاجتماعية ،
اللغوية ، العملية ، والرياضية والحركية ) .
وأنت أيضًا – عزيزي القارئ – يمكنك أن تطبق مبادئ ” مونتيسوري ” مع أطفالك في المنزل لجعل عملية التعلم أكثر متعة وجاذبية ،ولن أثقل عليك بالعبارات أو الجمل الأكاديمية ، ولكن ألخص لك هذه الخطوات في النقاط التالية :
1- لا تحمل طفلك طوال الوقت بعد عامه الأول ، بل حاول أن تجعله يحمل بعض الأشياء في يده ثم يقوم بمناولتك إياها أكثر من مرة لتعزيز النشاط العضلي .
2- تعليم الطفل بالمحاكاة وجعله يبدأ بملاحظة شفتيك دومًا بعمل أصوات غريبة ومألوفة بالفم والإشارة له إلى الفم لينتبه لذلك .
3- تعليم الطفل الألوان بتقسيم أيام الأسبوع إلى عدة ألوان فمثلًا : يوم السبت ” للون الأخضر” فنقوم بعرض كل الأشياء الخضراء من بيئته المحيطة ومع تكرار اللون في نفس اليوم تتسع مداركه وتزداد المفاهيم ويعم الإدراك لكل ما حوله دون تشتيت وهكذا الحال مع بقية الألوان .
4- شجع طفلك على ترتيب غرفته وشجعه وحاول أن تظهر أمامه انبهارك بأي عمل يقوم به حتى وإن كان بسيطا من وجهة نظرك.
5- عندما يخطئ طفلك فلا تنتظر أسفه ، بل حاول أن تجعله يبدأ بإصلاح الخطأ في نفس وقت الاعتذار فعلى سبيل المثال : عندما يقول لك الطفل أنه آسف لأنه أسقط الكوب فلا بد أن يكون قد رفع الكوب بالتزامن مع وقت الاعتذار .

والحديث في هذا الشأن يطول؛ لأن فيه الكثير من الأساليب والفنيات التي يتبعها مدربو و معلمو المونتيسوري ، لتحقيق النتائج المرجوة التي وضع من أجلها ؛ لذا فقد نتناوله بشيء من التفصيل في المقال القادم بمشيئة الله تعالى .

زر الذهاب إلى الأعلى