عاجلمقالات

في بلاد العجائب .. رمضان الحاضر الغائب

في بلاد العجائب .. رمضان الحاضر الغائب

كتب / شريف محمد

( كل سنة وأنت طيب) تعبير مصري خالص ، ليس في مفرداته فقط ، بل وفي استخداماته ؛ فالمصريون يتبادلونها كجزء من تبادل التحية ، في شهر رمضان ، وفي العيدين الإسلاميين، وفي العيدين المسيحيين ، وفي (شم النَسيم) ، حتى صارت عند البعض مجال للسُخرية والاستهزاء ، خاصةً هذه الأيام مع حلول شهر رمضان المُبارك ؛ الذي غاب عن فئات كثيرة من الشعب المصري ، وأخص المصري بسبب ما تمر به مصر من أزمات أغلبها اقتصادية للأسف الشديد .

فقبل بدء الشهر الأوحد في العام ، ولا حديث للسادة الموظفين إلا عن (مواعيد رمضان) ، لا بحثاً عن التقرب إلى الله تعالى أطول فترة ، ولكن للفِرار من العمل ، والتزاحم على الأسواق لشراء ما يُمكن شراؤه في أي وقت من اليوم الرمضاني، بل وفي أي وقت من أيام السنة ، وعن ( الكنافة والقطائف) أتحدث.
أمّا عن السادة المُعلمين فالأمر يصل إلى حالة ( الفُصام) ؛ الجميع يُسرّب إلى الطلاب أن الحضور في رمضان ليس عليه درجات ، وليحضر الجميع في يوم واحد من الأسبوع الدراسي لتسليم الأداءات( الواجبات)، ليفترش الجميع اسطح طاولات العلم بذراعيه المُنقبضتين يعلوهما رأسُ يغُط صاحبهُ في سُباتٍ عميق ، هذا النائم هو بعد سويعات الوحش المُنطلق في ( السنتر) لعرض المادة العلمية.

وإذا ساقتكَ قدماك إلى ( قلب الجحيم) السوق ، فسترى ( عين اليقين) ، و( لتُسألُنّ يومئذٍ عن النعيم)، فالتجّار وليسوا سواء ، لكن سوادهم الأعظم صار بأسعاره المرتفعة بدون ضمير ،وبدون رقيب ، فالمفتشون والرقباء ملتزمون في عملهم الرقابي بمواعيد رمضان ، وليسلك التاجر المواطن بالأسعار في ( صَقَر) ، وإذا سألتَ عن سبب الغلاء في يومين أو ثلاث لنفس المُنتَج من نفس الجِوال؟!! ، يأتي الرد: ( ما سلككم في صَقر)؟! ، ” دي الأسعار ” وفجأة نكتشف أن البائع البسيط المظهر صار من خرّيجي تجارة ( إنجلش) عندما يُهين المُواطن الموحول في الغلاء:(Leave it Or take it) ، وفي الأغلب سيترك لأنه لايملك ، ولا عزاء للبسطاء المتعففين.

ويصيبُكَ الفزع عندما ترى هؤلاء الجشعين من التجار ، وهو يُسرع قبل الإفطار بمد مائدة الرحمن أمام المحل الضخم المُكتظ بالبضائع التي يأتي إليها الكثيرون لينظروا فقط ويتولوا وأعينهم تفيض من الدمع، هذه المائدة التي تحمل اسماً من أعظم أسماء الله الحسنى( الرحمن ) وهو سبحانه وتعالى أعلى وأقدر من أن يُستخدم اسمه الكريم مِن قِبَل هذا الآكِل للسُحت الذي يُلقي الفتات لفقراء وبُسطاء متراصين حول مائدته التي أعدها من جيوبهم دون أن يشعروا !، قمة ( الفُصام/ الشيزوفرينيا) لمجتمع كان سيد العرب والمسلمين بل وسيد العالم ، في العطاء الحق ، والإطعام المُستحق ، ليتحوّل رمضان العظيم إلى أنوار باهتة ، وقُصاصات أوراق لامعة ، وكأننا نتمسك بأخر ما يُشعرنا بالشهر الكريم ، الذي جعلناه- نحن – حاضراً بالزمان ، غائباً عن المكان ؛ ولا أنزلق بقدمي إلى قصص الكافيهات والسهرات الرمضانية ، ومُجتمع المسخ الدخيل على أدبيات الشهر الكريم ،

لكن كلي رجاء في أن نُنَحي جانباً أغاني رمضان القديمة والجديدة ، المصرية والخليجية ، لتكون الأغنية الوحيدة المُعبِرة عن هذا الشهر ، أغنية ( ابن الإسكندرية ) البار ، الجميل فناً وخُلُقاً ” مصطفى قمر” ة
( سَلّموا لي ع اللي غايب..
سَلّموا لي..
قد إيه أنا قلبي دايب..
سَلّموا لي ..).
وكل سنة وأنت طيب.

مايسة عبد الحميد

نائب رئيس مجلس إدارة الموقع
زر الذهاب إلى الأعلى