في ذكرى مولده.. السلطان “محمد الثالث” الشاعر الذي خاض الحرب وقاد الجيوش بعد قرن من عزوف السلاطين

كتابة: دنيا أحمد
في مثل هذا اليوم، 26 مايو من عام 1566، وُلد السلطان محمد الثالث، الخليفة الثالث عشر للدولة العثمانية، الذي عُرف بشخصية متناقضة جمعت بين الرقة الشعرية والدموية السياسية، وبين الانزواء عن الحكم ثم خوض المعارك بنفسه.
محمد الثالث هو ابن السلطان مراد الثالث، وأمه جارية بندقية الأصل كان لها تأثير كبير في البلاط العثماني. تولّى السلطنة في 15 يناير 1595، بعد وفاة والده، وبدأ عهده بقرار دموي حين أمر بقتل جميع إخوته الذكور، وهو تقليد عثماني قاسٍ للحفاظ على العرش، لكنه شكّل واحدة من أظلم الصفحات في سيرته.

مع بداية حكمه، أوكل محمد الثالث إدارة شؤون الدولة إلى وزرائه، مما أدى إلى تفشّي الفساد، وبيع المناصب، وانهيار قيمة العملة، وتعرّضت الدولة لهزائم متكررة، خصوصًا في أقاليم البغدان وترانسلفانيا على يد “ميخائيل الشجاع”، بدعم من النمسا.
لكن هذا التراجع لم يدم، إذ قرر السلطان أن يُغيّر النهج، ويقود الجيش بنفسه لأول مرة منذ عهد سليمان القانوني، بدفع من العلماء وعلى رأسهم الشيخ سعد الدين أفندي. وكانت النتيجة أن استعاد الجيش العثماني روحه القتالية، فتمكّن السلطان من فتح قلعة أرلو التي استعصت حتى على أعظم أسلافه، وحقق نصرًا كبيرًا في معركة كرزت عام 1005 هـ (1596م)، الذي أعاد للدولة هيبتها وأثار حماسة المسلمين.
ورغم قسوته السياسية، كان محمد الثالث شاعرًا رقيقًا، له ديوان شعري يُظهر جانبًا إنسانيًا من شخصيته، ما يعكس التناقض العميق في شخصية حاكم عاش في زمن متقلّب بين العظمة والانحدار.

في ذكرى ميلاده، يُستعاد اسم السلطان محمد الثالث كأحد السلاطين الذين حاولوا استعادة مجد الدولة العثمانية في لحظة مفصلية، وتركوا أثرًا عسكريًا وشعريًا يُثير الجدل والتأمل حتى اليوم.






