قلعة قايتباي.. حارس البحر الأبيض وسور الإسكندرية المنيع

كتابة: دنيا أحمد
على ضفاف البحر الأبيض المتوسط، شامخة في وجه الزمن والعواصف، تقف قلعة قايتباي كأحد أبرز المعالم التاريخية في مدينة الإسكندرية، حاملة في جدرانها قصة من العزيمة والدفاع عن الوطن. بُنيت القلعة قبل أكثر من خمسة قرون لتكون حصنًا منيعًا يذود عن المدينة من الغزوات البحرية، وما زالت إلى اليوم شاهدة على عظمة التاريخ الإسلامي العسكري والعمارة الحربية المملوكية.
أولًا: متى ولماذا بُنيت قلعة قايتباي؟
شُيّدت القلعة بأمر من السلطان الظاهر أبو النصر قايتباي عام 882 هـ / 1477 م في موقع من أهم المواقع الدفاعية على الساحل المصري، وهو نفس المكان الذي كان يحتله قديمًا منارة الإسكندرية، إحدى عجائب الدنيا السبع، والتي دمرها الزلزال.

جاء بناء القلعة في وقت كانت فيه الدولة المملوكية تواجه تهديدات من الأساطيل الصليبية والعثمانية، وأراد السلطان قايتباي تأمين سواحل مصر الشمالية بسلسلة من الحصون، وكان للإسكندرية النصيب الأكبر من التحصين بسبب موقعها الاستراتيجي.
ثانيًا: مواصفات القلعة المعمارية
صُمّمت القلعة بأسلوب عبقري يجمع بين القوة والتحصين والهندسة الجمالية. تتكون من:
• برج رئيسي مربع الشكل بارتفاع نحو 17 مترًا، وقطر يصل إلى 30 مترًا.
• أسوار ضخمة تحيط بالقلعة من جميع الجهات، مع أبراج دفاعية على الزوايا.
• فتحات للرماة على الجدران ومزاغل للمدافع، ما يدل على تطورها الحربي.
• غرف للجنود، ومخازن للسلاح، ومسجد داخلي صغير كان يستخدمه الحراس.

موقعها المباشر على البحر مكّنها من صد العديد من محاولات الغزو، حيث تتحكم في مدخل الميناء الشرقي للإسكندرية.
ثالثًا: دورها التاريخي كحصن دفاعي
لعبت القلعة دورًا كبيرًا في الدفاع عن مصر على مدار العصور:
• في العصر المملوكي، كانت نقطة مراقبة استراتيجية ضد الهجمات البحرية.
• في العصر العثماني، استُخدمت كقاعدة عسكرية بحريّة.
• خلال الحملة الفرنسية على مصر (1798)، تعرضت القلعة لقصف مدفعي من قوات نابليون.
• أعيد ترميمها في عصر محمد علي باشا لتواكب تطور الأسلحة.
• في عهد الإنجليز، استخدمت كموقع عسكري هام، خاصة خلال الاحتلال البريطاني لمصر.
رابعًا: القلعة اليوم.. بين التاريخ والسياحة
تحوّلت القلعة في العصر الحديث إلى مزار أثري وسياحي يجذب آلاف الزوار سنويًا، لما تحمله من عبق الماضي وروعة الموقع على رأس جزيرة فاروس. وبالإضافة إلى قيمتها العسكرية والتاريخية، فإنها تقدم تجربة بصرية مدهشة بإطلالتها على الميناء والبحر.

يضم المتحف البحري بالقلعة معروضات عن تاريخ البحرية المصرية والأسلحة القديمة، كما تُستخدم أحيانًا في الفعاليات الثقافية والفنية، في محاولة لربط الماضي بالحاضر.
في الختام، تظل قلعة قايتباي أكثر من مجرد مبنى أثري؛ إنها رمز للكرامة الوطنية والعراقة العسكرية. فهي لم تكن فقط درعًا يحمي الإسكندرية، بل أيضًا صفحة حية من كتاب التاريخ المصري، تنبض بالعظمة وتُلهِم الأجيال.






