لسانك حصانك: أهمية حفظ اللسان وأثر الكلمة الطيبة

كتبت / دنيا أحمد
يقول المثل العربي القديم: “لسانك حصانك، إن صنته صانك، وإن خنته خانك”، وهذا المثل يحمل حكمة عميقة حول أهمية ضبط اللسان والحذر من الكلمات التي تخرج منه، فالكلمة ليست مجرد حروف تُقال ثم تُنسى، بل قد تترك جرحًا لا يندمل، أو تُحدث أثرًا طيبًا يدوم في القلب والذاكرة.

اللسان هو أداة التعبير عن الأفكار والمشاعر، ولكن إن لم يُضبط، قد يتحول إلى سلاح جارح يؤذي الآخرين دون أن نشعر. فكلمة قاسية، أو سخرية، أو تجريح، قد تترك في النفس ألماً لا تزيله اعتذارات أو ندم. لذلك دعا الإسلام إلى حفظ اللسان، وجعل من صفات المؤمن الصادق أن “يقول خيرًا أو ليصمت”.
وقد قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم:
“الكلمة الطيبة صدقة”. فالكلمة الطيبة لا تكلّف شيئًا، لكنها تزرع الأمل، وتخفف من الأحزان، وتبني جسور المحبة بين الناس. هي لمسة إنسانية تُشعر الآخر بقيمته، وتعبّر عن حسن الخُلق وطيب النفس.

في زمن كثرت فيه الكلمات الجارحة، وانتشرت فيه السخرية والتنمر، بات من الضروري أن نُعيد إحياء ثقافة الكلمة الطيبة. فالكلام مسؤولية، والكلمة أمانة، وكل إنسان محاسب على ما يتلفظ به. علينا أن نُدرّب أنفسنا على التريث قبل النطق، وأن نُفكر: هل هذه الكلمة تبني أم تهدم؟ تُفرح أم تُحزن؟ تُداوي أم تُجرّح؟
إليك بعض الآيات القرآنية التي تؤكد على أهمية حفظ اللسان، والتحلي بالكلمة الطيبة، والتجنب عن القول السيئ:
1. قوله تعالى:
“ما يلفظ من قولٍ إلا لديه رقيبٌ عتيد”
[سورة ق، الآية 18]
هذه الآية تُذكّرنا بأن كل كلمة نقولها مسجّلة ومحسوبة، مما يحث على التفكير قبل الكلام.
2. قوله تعالى:
“وقولوا للناسِ حُسْنًا”
[سورة البقرة، الآية 83]
أمرٌ مباشر من الله تعالى بأن يكون خطابنا للناس قائماً على الحُسن واللطف.
3. قوله تعالى:
“وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسنُ إن الشيطان ينزغ بينهم”
[سورة الإسراء، الآية 53]
دعوةٌ للمؤمنين أن يختاروا أفضل الكلام، لأن الكلمة السيئة قد تزرع الفتنة.
4. قوله تعالى:
“إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه”
[سورة فاطر، الآية 10]
تأكيد على أن الكلمة الطيبة لها منزلة عند الله، وترتقي بصاحبها.
5. قوله تعالى:
“ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمةً طيبةً كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء”
[سورة إبراهيم، الآية 24]
تصوير جميل للكلمة الطيبة التي تُثمر وتنفع، مثل الشجرة الطيبة التي تظل وتُعطي.
هذه الآيات تشكّل أساساً قوياً لثقافة الكلمة الطيبة وحسن القول، وهي تربي المسلم على أن يتحمل مسؤولية كلامه، وأن يجعل من لسانه أداةً للخير والبناء.

في النهاية، حفظ اللسان دليل على نضج الإنسان وسمو أخلاقه. والكلمة الطيبة قد تكون بابًا للجنة، وبذرة خير تنمو في القلوب. فلنجعل من ألسنتنا وسيلةً للخير، ولنتذكر دومًا أن ما نقوله قد يُغيّر حياة إنسان، فإما أن يكون تغييرًا للأفضل، أو جرحًا لا يُشفى.





