مبدعون .. كتب: عمرو نوار
” ف البدء كان الكلمة ” ..” روح الله وكلمته القاها إلى مريم ” …” فلما جاءه وكلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين” …خاطب الله الناس بالكلمة وخاطب انبياؤه الناس بالكلمة …فالإيمان كلمة والحب كلمة …كانت الكلمة وستظل هي المعيار الأساس فى بناء الحضارات الإنسانية وكلما ارتقت الشعوب ارتقت لغتها المكتوبة والمنطوقة …والعكس صحيح ..
فكلما تدنّت المجتمعات الإنسانية ثقافةً وفناً واقتصاداً كلما تدنت لغة الحوار لديها مما ينعكس على فنها وصحافتها وأدبها ولغة الشارع التي يتداولها الناس … والحقيقة إنك إذا تأملت الفارق بين كل ماهو مبدع وما هو غير مبدع فستجد ان الكلمة التى تحمل معايير وأفكار وقيم الكاتب هي المقياس فى أرتفاع العمل الفني أو تدنيه إلى العمل التجاري في الدراما والسينما والغناء …
والا ما الفرق بين كبار مطربينا وبين غيرهم بغض النظر عن موهبتهم الأصيلة إلا ” الكلمة” فهل كانت الناس ستسمع العظيمة أم كلثوم بكل موهبتها ونقاء صوتها لو غنّت ” أديك ف السقف تمحر”؟ وهل كان من الممكن ان يغني موسيقار الأجيال ” أو عبد الحليم حافظ أغاني من نوع “عارفك يلا مننا متغاظ مخك فاضي مخنا الماظ؟ وبالمثل ..هل كان يمكن ان يشارك أبطال الدراما التليفزيونية من أمثال الفنان عبد الله غيث أو صلاح السعدني أو نور الشريف فى مسلسل اسمه ( ماتيجي نيجي ) ؟ الاجابة بالطبع يعرفها القارئ العزيز جيدا …. لان فنهم الخالد صنعته تلك الكلمة بالإضافة إلى ما أختصهم به الله من موهبة ذاتية..وعند هذه النقطة يجب ان نتوقف لنتحدث عن ثلاثة فرسان من فرسان تلك الكلمة الذين اثروا حياتنا الفنية والثقافية وامتعونا بما كتبوا ونظموا نثرا وشعرا وأدبًا… يأتي فارس الكتابة الدرامية التليفزيونية فى أهم ركن من أركان تاريخ هذه الدراما منذ بدايتها عام ١٩٦٠ …الكاتب والمبدع الكبير أسامة أنور عكاشة..
وبمجرد ذكر هذا الاسم سيتداعى لدي القارئ العزيز أعمال ( الشهد والدموع ) و( ليالي الحلمية) و ( أرابيسك) وغيرها من تلك الأعمال الخالدة فى ذاكرة الشعب المصري والشعب العربي باكمله … ان احترام الكلمة والحوار وإتقان العمل هو بلا شك نوع من أحترام المشاهدين والعكس صحيح .. كانت كل جملة حوارية فى أعمال ذلك الرجل تحمل قيمة وفكرة وتضيف إلى معارف وثقافة المشاهد واخلاقيات وقيم المجتمع بلا نقصان أو زيادة.. رشاقة العبارة ورمزيتها .. وعلى نفس المستوى الإبداعي المرتفع يأتي فارس آخر من فرسان الأغاني التي صاحبت في الأغلب تلك الأعمال العبقرية وعندما يستمع القارئ العزيز إلى مقطع ” ليه يازمان ماسبتناش ابرياء وواخدنا ليه ف طريق مامنوّش رجوع “( ليالي الحلمية ) أو “ويرفرف العمر الجميل الحنون” ( أربيسك ) فسيتدعى على الفور أسم العبقري سيد حجاب ابن قرية المطرية الممتلئة باهازيج الصيادين التي وعيها ونشأ عليها منذ طفولته فغاضت في أعماقه ثم فاضت فى كلمات أغانيه الخالدة في ذاكرتنا … لم يكن سيد حجاب يكتب كلمات تلك الأغاني كتابةّ وإنما ينسجها نسجا بمخيط ماهر ومبدع وعبقري فمن أين له ان يقول ( دنياك سكك ..حافظ على مسلكك ..
وأمسك في نفسك لا العلل تمسكك) هذا نسج رمزي يتخطى المعنى المباشر إلى الرمز ….وعند الفارس الثالث كاتب كوميديا السهل الممتنع ومجموعة الأفلام التي وطأت على جراح المجتمع بايد جرّاح ماهر وأصابع تعزف سيناريو أفلام( العار ) و ( الكيف ) و ( جري الوحوش ) فمن يمكن ان ينسى ( المزاجنجي ) و ( الريس ستاموني) اللذان اتيا كنبوءه لما يحدث الان فى عشوائيات الغناء والمهرجانات ..
لكنه كان قلم المبدع والسيناريست محمود أبو زيد وأعماله العظيمة.. كل هؤلاء خلدّتهم ” الكلمة” المكتوبة بإحساس صادق وإبداع حقيقي قل ان يوجد مثيله وان كنا نؤمن ان مصر الولادة قادرة دائما ان تصنع أجيال وأجيال من المبدعين.