مقالات

محمد كامل الباز يكتب: الحرية المقيدة 

محمد كامل الباز يكتب: الحرية المقيدة 

محمد كامل الباز يكتب: الحرية المقيدة 
ارشيفية

جاء متردد عندى فى العيادة وكان يبدو عليه الحزن والكمد، سألته عما يؤلمه، لكني أصبت بالدهشة عندما علمت أنه لم يأت لعلاج أسنانه ولكنه جاء ليأخذ المشورة الحياتيه فى أمر بات يسبب له صداع مزمن، هو عميل قديم تربطه بي علاقة قد تتجاوز علاقة الطبيب بمريضه لذا أخذت أسمع منه وما كان عليه إلا أن اشتكى من بنته التى تجاوزت العشرين عاما ولا تريد الحجاب، قلت له عليك بالاقناع والهدوء ولكنه ذكر لي شىء غريب أصبحت أسمعه مرارا كل يوم وهو ردها عليه ( انا حره) دي حرية شخصية، تشتكي لي أحد الاقارب أن ابنتها نفس الموقف وغيرها الكثير أصبح الرد الجاهز للكثير أنا حر تلك حرية شخصية، لماذا لا تصلى يرد متحزلق ذلك أمر خاص بي، تستنكر على ذاك، لماذا تشرب الخمر ( هو أنت اللى هتحاسبه) كل واحد حر، …. حر حر مللت من تلك الكلمة لدرجة أني بدأت ابحث فى كل القواميس لأجد مخترع تلك الكلمة وما الهدف منها، كيف ينتشر مصطلح هدام بهذة الطريقة دون قيد او مراقبة؟ فوجئت أحد الأمهات الخليجية بانحراف ابنها وميله للشذوذ وعندما واجهته كان رده ورد من يدافع عنه، تلك حريته الشخصية.

باتت الحرية طائر جارح لا يمكن السيطرة عليه، حيوان مفترس من الصعب ترويضه، ترتكب كل الآثام الآفات تحت مظلة الحرية انتشرت كافة الموبيقات تحت كنف وغطاء تلك الكلمة، غاب الوعى الأخلاقي و الديني، انغمس المثقفون فى قاع الحرية المزعومة باتوا يدافعون عن معانى قادمة من الغرب دون فهم أو تعديل، الحرية التى أعرفها هى فعل كل تريده دون وصاية من أحد شرط ألا يتعارض هذا مع الدين والقانون أيضا، شرط ألا يغضب فعلك هذا خالقك أو يؤذى مجتمعك، لذلك فما تفعله لست حرا فيه حرية مطلقة، الزنا ليس حرية سواء فى الخفاء او العلن، شرب الخمر الشذوذ، … لا يستقيم أن أفعل الموبيقات واتعلل بالحرية واننى لم اؤذي أحد، كل تلك الموبيقات قد حرمها الله فليس هناك مكان فى الجملة لكلمة ( عدم الايذاء ) إن لم يكن عصيان أوامر الخالق إيذاء وإفساد فى الأرض فما هو الايذاء إذن!! إن كلمة الحرية هنا تم محوها لوجود مانع وهو التحريم السماوى فأصبحت ليس حرا، تغير كبير حدث منذ القرون الماضية وحتى الأن تغيرت المفاهيم، هذا التغير انعكس بشكل واضح علي مكانة مجتمع الأمس مقارنة بمجتمع اليوم، ألم يكن هذا الرجل الذى بمجرد سماعه تحريم الذهب رمي خاتمه! حر؟ لم يشغل عقله و يتفلسف ويدافع عن حريته بل القى به، عندما نزلت آية تحريم الخمر ألقي رجال المدينة كؤوس الخمر فى يثرب حتى قيل ان شوارع المدينة قد امتلأت بالنبيذ، يبدو أن هؤلاء الرجال لم يكونوا احرار مثل جهابذة اليوم، اكتست أرض طيبه بالخمر فى لحظات هى لحظات نزول الأمر وكانت شاهده على تقبل كل منهم الأمر الإلهي فى تعدى صارخ على حريتهم ! لو علمت الفرق بين السلف والخلف ايقنت لماذا كان هؤلاء القوم يسيطرون على العالم شرقا وغربا وأحرار اليوم يقبعون فى ذيل الأمم ينتظرون المساعدات والمعونات، سأضرب لك مثالا صغيراً من الزمن الجميل وأخر من عصر الحرية الأن، سأبدأ بعصر الحرية و التنور، ظهرت فنانة شابة منذ أيام قليلة حالقة شعرها فى هيئة أغضبت الكثير من رواد مواقع التواصل الذى بدورهم قاموا مهاجمتها وانتقاد هذا السلوك وهذا تصرف مرفوض بالطبع ولكن ما زاد الشعر بيتا لم يكن يحتمله هو خروج والد تلك الفنانة وهو فنان معروف يدافع عن بنته بدعوى ( هى حره) ونفس التناغم الغير مفهوم ما لم تؤذى أحد فهى حره، لم يسأل نفسه هل هناك ايذاء أكثر من تجاهل أوامر المصطفى ووصاياه حيث قال فى حديث صحيح ( نهى أن تحلق المرأة رأسها) رواه النسائي وفى حديث أخر (لَعَنَ الله الْمُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَلَعَنَ الْمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ) رواه الإمام أحمد، لم ينظر هذا الأب عن خطأ ابنته وخرج يدافع عنها بداعي الحرية خرج يؤكد ان ابنته أهم عنده من أي شىء حتى لو خالفت أمر رسول الله علنا، لو رجعنا للوراء كثير فى عصور الجمود والرجعية كما يطلق عليها متحرري اليوم حدث ما مشابه لذلك حيث جاءت زوجة بلال إبن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما تشتكي لوالد زوجها من زوجها يمنعها من الخروج و للذهاب للمسجد، سكت عبدالله بن عمر استدعي ابنه بلال وسأله لماذا تمنع زوجتك من الذهاب للمسجد ألم تسمع قول المصطفي ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وبيوتهن خيرا لهن) رد بلال هذا شأني يا والدي لذا سامنعها، أحمر وجه الاب، تغيرت ملامح عبدالله بن عمر وانقلب رأسا على عقب، غضب غضباً شديد وقال ( أقول لك قول رسول الله وتقول رأيي وشأنى؟ والله لا أحدثك حديث أو كلمة واحدة حتي يموت أحدنا ) وقد روى فى الأثر أنه لم يتكلم مع إبنه قط حتي مات !! لم يتقبل ويتفهم دفاع ابنه عن نفسه ورايه، لم يلمتس أعذار لفلذة كبده على ما فعله وهو أمر ليس محرم إذ يحق للزوج منع زوجته من الخروج من المنزل، لم يتفهم اى شىء ابن عمر رضى الله عنه حيث مجرد رؤيته تمسك ابنه برأيه مع سماعه كلام النبي قاطعه طيلة حياته!! هذا هو الفرق بين السلف والخلف بين جمود الماضى وحرية اليوم عاش هؤلاء العظماء بمعزل عن التفلت والحرية تحت قيود الشرع و أوامر الخالق فدانت لهم الأرض كلها شرقها وغربها بينما عشنا نحن الان بلا قيود وفق هوى الحرية فأصبحنا فيما نحن فيه الان.

نهى مرسي

نائب رئيس تحرير الموقع
زر الذهاب إلى الأعلى