الدين معاملة

مختار جمعة: شهر رمضان شهر الصبر والطاعة 

مختار جمعة: شهر رمضان شهر الصبر والطاعة 

مختار جمعة: شهر رمضان شهر الصبر والطاعة 
محمد مختار جمعة

أكد أ.د محمد مختار جمعة وزير الأوقاف في الحلقة الخامسة من برنامج “رؤية” أن من أهم سمات الشهر العظيم الكريم شهر رمضان ، أنه شهر الصبر ، وأنه يعود الإنسان على الصبر وعلى الطاعة، وعلى الصبر عن المعصية ، وعلى الصبر على احتمال الجوع والعطش، في حديث النبي (صلى الله عليه وسلم) : “الصيامُ والقرآنُ يَشْفَعانِ للعبدِ، يقولُ الصيامُ : أَيْ رَبِّ ! إني مَنَعْتُهُ الطعامَ والشهواتِ بالنهارِ، فشَفِّعْنِي فيه، ويقولُ القرآنُ : مَنَعْتُهُ النومَ بالليلِ، فشَفِّعْنِي فيه ؛ فيَشْفَعَانِ” ، والصبر من أهم سمات المؤمن ، يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): “عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فكان خيرا له”.

 
أوضح الوزير أنه من ثمرات الصبر: أنه من أهم أسباب الفلاح في الدنيا والآخرة ، يقول (سبحانه وتعالى): “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” لم يقل تفلحون في الآخرة فقط ، وإنما “تُفْلِحُونَ” على الإطلاق ، في شئون دينكم ، وفي شئون دنياكم ، في أولاكم ، وفي أخراكم ، فالفلاح يُحَقَّقُ بالصبر ، وبصبر الطالب على المذاكرة يأتي النجاح ، وبصبر العامل على الإتقان تأتي جودة الصنعة ، وبصبر الفلاح على زراعته تأتي الثمار، وفي هذه الآية يقول (سبحانه وتعالى): “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا” ، فما الفرق بين الصبر ، والمصابرة ؟ الصبر: فعل من طرف واحد ، صبر على الجوع ، صبر على العطش ، صبر على التعب ، صبر على العمل ، صبر على موت عزيز عليه ، أما المصابرة: فهي مفاعلة ، ولا تقع إلا بين طرفين ، يقول أهل العلم في قوله تعالى : “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا” أي: واجهوا صبر عدوكم على قتالكم بصبر يغلب صبره ، “إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ” وواجهوا صبر الشيطان على إغوائكم بصبرٍ على طاعة الله يغلب صبر الشيطان على محاولة إغوائكم ، يقول (سبحانه وتعالى): “إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ” ويقول (سبحانه وتعالى): “أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا” ، بل إن الله يضاعف الأجر للصابرين بغير حساب ، حيث يقول (سبحانه وتعالى): “إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ” ، وهم في معية الله ، يقول (سبحانه وتعالى): “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ” ، وهنا مع الجمع بين الصبر والصلاة لم يقل مع المصلين ، وإنما قال: “مَعَ الصَّابِرِينَ” لأهمية الصبر، والصابرون عليهم صلوات من ربهم ورحمة ، يقول (سبحانه وتعالى): ” وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ” ، والصبر سبيل النصر ، ويقولون: النصر صبر ساعة ، يقول الحق (سبحانه وتعالى): “بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ” ويقول (سبحانه وتعالى): “وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا” ، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): “واعلَم أنَّ النَّصرَ معَ الصَّبرِ ، وأنَّ الفرجَ معَ الكربِ ، وأنَّ مع العسرِ يُسرًا” ، ويقول الشاعر : 
الصَّبْرُ مِثْلُ اسْمِهِ مُرٌّ مَذَاقَتُهُ
لَكِنْ عَوَاقِبُهُ أَحْلَى مِنَ العَسَل
ويقول الآخر:
إني رأيتُ وفي الأيام تجربة
للصبر عاقبة محمودة الأثرِ

وقلَّ من جدَّ في شيء يحاوله
فاستصحب الصبر إلا فاز بالظفرِ
 
وتابع الوزير  أن الصبر به يحقق الله الأماني ، لا نجاح بلا صبر على المذاكرة ، ولا جني للثمار بلا صبر على الزراعة ، ولا إتقان للصنعة بلا صبر على العمل ، والمؤمن يحتمل ذلك ابتغاء وجه الله (عز وجل) ، يصبر على الجوع والعطش ابتغاء مرضاة الله ليحقق أعلى ثمرات الصيام ، يصبر على عدم النوم قيامًا لليل ، أو مدارسة للعلم ، أو قراءة للقرآن ، يصبر على طاعة الله ، فالصبر أنواع : صبر على الطاعة حتى تؤديها ، صبر على الصلاة حتى تقيمها ، صبر على الصيام حتى تؤديه على الوجه الأكمل ، وهناك صبر عن المعصية بأن تحبس نفسك عن المعاصي ، حيث يقول (سبحانه وتعالى): “وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ” ، فالصبر على الطاعات ، والصبر عن المعاصي ، والصبر عند النوائب والمصائب ، فقد مَرَّ النبيُّ (صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ) بامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ، فَقالَ: “اتَّقِي اللَّهَ واصْبِرِي قالَتْ: إلَيْكَ عَنِّي، فإنَّكَ لَمْ تُصَبْ بمُصِيبَتِي، ولَمْ تَعْرِفْهُ، فقِيلَ لَهَا: إنَّه النبيُّ (صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ) فأتَتْ بَابَ النبيِّ (صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ) ، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ، فَقالَتْ: لَمْ أَعْرِفْكَ، فَقالَ: إنَّما الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى”، وتحدث القرآن الكريم عن الصبر الجميل ، والصفح الجميل ، والهجر الجميل ، والسراح الجميل ، فالصبر الجميل : هو الذي لا شكوى معه ، حيث يقول (سبحانه وتعالى) على لسان سيدنا يعقوب (عليه السلام) عندما كان في محنة في ولده يوسف (عليه السلام): “فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ” ، والصفح الجميل الذي لا من معه ، والهجر الجميل الذي لا أذى معه ، والسراح الجميل الذي لا عضل ولا ظلم للمرأة فيه ولا معه ، مؤكدًا أن الصبر الجميل الذي يكون عن رضا ، يقول الشاعر:
ستصبر صبر اليأس أو صبر راحة
فلا تؤثر الوجه الذي معه الوزر
 
واشار الوزير الي قول عطاء بن أبي رباح ( رضي الله عنه ) قال : قال لي ابن عباس (رضي الله عنه): ألَا أُرِيكَ امْرَأَةً مِن أهْلِ الجَنَّةِ؟ قُلتُ: بَلَى، قَالَ: هذِه المَرْأَةُ السَّوْدَاءُ؛ أتَتِ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فَقَالَتْ: إنِّي أُصْرَعُ، وإنِّي أتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي، قَالَ: إنْ شِئْتِ صَبَرْتِ ولَكِ الجَنَّةُ، وإنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أنْ يُعَافِيَكِ، فَقَالَتْ: أصْبِرُ، فَقَالَتْ: إنِّي أتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لي ألَّا أتَكَشَّفَ، فَدَعَا لَهَا “، وعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): ” يقولُ اللَّهُ (تَعالَى): ما لِعَبْدِي المُؤْمِنِ عِندِي جَزاءٌ، إذا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِن أهْلِ الدُّنْيا ثُمَّ احْتَسَبَهُ، إلَّا الجَنَّةُ ” ، ويقول أبو هريرة (رضي الله عنه) أيضًا: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: “إنَّ اللَّهَ ( عز وجل) قالَ: إذا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بحَبِيبَتَيْهِ، فَصَبَرَ؛ عَوَّضْتُهُ منهما الجَنَّةَ”؛ فالصبر عند فراق الأحبة ، أو عند فراق عضو من الأعضاء ، أو عند ما يصيب الإنسان مصاب في نفسه ، أو ماله ،أو ولده ، إذا صبر واحتسب ليس له جزاء إلا الجنة ، وأصيب عروة بن الزبير في ولده ، وفي ساقه فقطعت ، فدخل عليه أحد الناس ، فقال: يا هذا لقد سبقك ابن من أبنائك ، وعضو من أعضائك إلى الجنة ، فقال ما عزَّاني أحد بأحسن ممّا عزَّاني به ، وكان يقول: الحمد لله ، الحمد لله ، لقد رزقني الله أربعة من الولد ، فأخذ مني واحدًا وأبقى لي ثلاثة ، وأعطاني أربعة من الأعضاء رجلين ويدين فأخذ مني عضوًا وأبقى لي ثلاثة ، فإن كان قد أخذ واحدًا فقد أبقى لي ثلاثة ، فلله ما أعطى ولله ما أخذ ، ولله الحمد في الأولى والآخرة ، هذا هو الإيمان ، ولما مر بعضهم على أحد الناس وكان مقطوع اليدين ، مقطوع الرجلين، فوجده يشكر الله على نعمه، ويقول: الحمد الله الذي عافاني مما ابتلى به غيري، وفضَّلني على كثير ممن خلق تفضيلا، فتعجب الرجل من قول هذا الرجل مقطوع اليدين والرجلين، وسأله: على أي شيء تحمد الله وتشكره؟ فقال له: يا هذا، أَشْكُرُ الله أن وهبني لسانًا ذاكرًا، وقلبًا خاشعًا وبدنًا على البلاء صابرًا .
مشيرًا إلى أن الصبر نعمة من نعم الله ، سواء أكان صبرًا عند نزول المصائب ، أو نزول البلاء ، أو المحن ، في النفس ، أو في الولد ، أو في الأهل ، أو في المال ، أو كان صبرًا على الطاعة ، أو صبرًا على المعصية ، أو مصابرة على إغواء الشيطان ، أو مصابرة على مواجهة الأعداء ، فكل الصبر عواقبه خير ، يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): ” عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له ” نسأل الله أن يجعلنا منهم.

مايسة عبد الحميد

نائب رئيس مجلس إدارة الموقع
زر الذهاب إلى الأعلى