مقالات

هل تحولت الأمة من دفء الأخوة العظيمة إلي برودة العصبية الأليمة ؟؟

هل تحولت الأمة من دفء الأخوة العظيمة إلي برودة العصبية الأليمة ؟؟

هل تحولت الأمة من دفء الأخوة العظيمة إلي برودة العصبية الأليمة ؟؟
ارشيفية

كتب / د. محمد كامل الباز

وقف شأس بن قيس، أحد يهود يثرب، ينظر لما آل إليه الوضع في المدينة. لقد ترك الأوس والخزرج الحرب والعصبية وعادوا إخوة أحباء بسبب وجود المسلمين! أخذ يحذِّر قومه ويؤكد لهم أنه لا بد من الإيقاع بينهم ومعاودة الكراهية والقبلية مرة أخرى، قائلاً: “نحن قوم لا نحيا إلا على الصراعات!”

قام شاب من اليهود يلقي بأشعار الحرب ويُحَمِّس كل فريق، ويذكرهم بيوم بُعاث (أحد أكثر الأيام شراسة وعداءً بين الأوس والخزرج)، ليخرج أحد الفريقين يتغنى بفريقه ويرد عليه واحد من الفريق الآخر، حتى كاد الحراك يحتدم ويشتعل بين الأوس والخزرج مرة أخرى، بل وصل الأمر لتحديد موعد للقتال. وصلت الأخبار إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم، فأسرع إلى القوم، ذهب ينهرهم على ما هم فيه ويذكرهم بتعاليم الإسلام والأخوة بينهما، ونبذ الفرقة والعصبية، قائلاً: “أَبِدَعْوَى الجاهلية وأنا بين أظهركم، بعد أن هداكم الله للإسلام؟!” فرجع القوم وندموا على ما حدث.

💥 العصبية القبلية سلاح الأعداء القديم المتجدد

لم تكن محاولات الأعداء قاطبة على عصر المصطفى بين الأوس والخزرج، ولكنها تكررت كثيرًا، وكانت دائمًا تستغل شيئًا هامًا وخطرًا وهو العصبية القبلية: (“هل نسيتم من أنتم؟ من أين جئتم؟ من هؤلاء ومن أين أتوا؟”)

بمثل هذه الكلمات، نجح شأس بن قيس الجديد مرة أخرى في مطلع القرن الماضي في زرع الفتن بين أبناء الدين الواحد بحجة اختلاف القوميات. حيث نجح الأب الروحي لليهود، تيودور هرتزل، مع أعوانه مرة أخرى، وعلى مدار عشر سنوات من 1906 إلى 1916، في شحن العرب ضد الأتراك. فمنهم من ذهب للشريف حسين، أمير الحجاز، وأكد له أنه الأولى بقيادة العرب والمسلمين. كيف يكون المسلمون تحت قيادة أتراك؟! “أنتم أحفاد الرسول والصحابة، من هؤلاء الأتراك الذين لا يتكلمون العربية كي يحكموكم؟”

ومن ناحية أخرى، ذهبوا للأتراك يذمون لهم في العرب: “أنتم من تستحقون كل شيء، أنتم الجنس الأعلى والأرقى، أنتم أحفاد سليم الأول ومحمد الفاتح…”.

استمر الوضع هكذا والشحن مستمر حتى خرج الشريف حسين وغيره من حكام العرب ليطعنوا الأتراك في ظهرهم، بل ويتحالفوا مع الإنجليز ضدهم، فيما سُمي في التاريخ بـ “الثورة العربية”. التي كان من أهم نتائجها هزيمة الأتراك أمام الإنجليز، ودخول إنجلترا فلسطين ومن بعدها اليهود عام 1917، بل وتقسيم الوطن العربي كله. كل هذا بسبب القبلية والعصبية!

💔 النعرات الكاذبة في زمننا الحاضر

سحقًا لتلك العصبية التي راح ضحيتها الكثير من أبناء أمتنا. سحقًا لتلك القومية التي فرقت بين أبناء الهوية الواحدة والدين الواحد. تلك النعرات الكاذبة التي أصبحت تحاوطنا في كل مكان. تجد مشكلات بين أبناء المغرب والجزائر بسبب مشكلة الصحراء، وتدخل على المنتديات وتجد ما يَشيب له الولدان. أبناء الدين الواحد، مَن كانوا يعانون من عدو ومستعمر واحد، أصبحوا في خلاف وشحناء، فرقتهم القومية والعصبية، رغم أن الدين جمعهم منذ مئات السنين.

لم يَخفَ علينا ما حدث من تراشق لفظي بين الكثير من أبناء الشعب المصري وأبناء الشعب السعودي الشقيق. الكل كان يفخر بقوميته وتاريخه، خلافات وصدامات بين أبناء العقيدة الواحدة وأصحاب القبلة الواحدة لأسباب أقل ما يقال عليها أنها تافهة. نسوا أن السعودية ومصر والمغرب والجزائر وغيرها كانت أعضاء مشتركة لجسد واحد هو الأمة العربية والإسلامية. مَن فرَّقنا وجعل الأمر بيننا هكذا؟

لم يقف الأمر عند التراشق بين أبناء الدول المختلفة في الوطن الواحد، بل أيضًا أصبح التراشق بين أبناء الوطن الواحد نفسه. نعم، اختلاف أبناء الوطن الواحد. هناك الأهْلاوي والزَمَلكاوي في مصر، ومن يشجع الرجاء والوداد بالمغرب، ومن يحب الترجي ويكره الأفريقي في تونس. الاختلافات وصلت لمرحلة السفه والجنون. صفحات للأهلي وأخرى للزمالك أصبح ليس لها همٌ غير تجميع اللايكات والمتابعات. تغلبت العصبية على كل شيء ونسي الناس أنها مجرد لعب ولهو. وجدنا قمة العته والجنون حيث تعدَّى الموضوع مرحلة الكورة والتشجيع ودخل لمرحلة القرف والترجيع. سباب، شتائم، تنمر، بل وخوض في الأعراض، كما حدث سابقًا من جماهير الأحمر تجاه شيكابالا، وحدث لاحقًا من جماهير الأبيض تجاه زيزو… بل وصل الأمر للفرح والشماتة في الموت من بعض المتعصبين. كيف وصلنا لهذه الدرجة من التعصب في كافة المجالات السياسية والاجتماعية بل والرياضية؟

💡 منهج المصطفى في دحر العصبية

ألا نأخذ عبرة بما حدث سابقًا؟ ألا نتخذ من رسول الله منهجًا واضحًا في دحر العصبية والقبلية؟

رسول الله الذي عندما جاءه بلال يشكو أبا ذر أنه قال له: “يا ابن السوداء”، احمرَّ وجهه وقال لأبي ذر: “صَفَّ الكَيْلَ يا أبا ذرّ، إنك امرؤ فيك جاهلية” (بعض علماء الحديث ذكروا أنه كان صحابي آخر غير بلال).

وعندما حدث خلاف بين رجل من المهاجرين وآخر من الأنصار، كان رد المصطفى واضحًا وصريحًا، وقالها: “اتركوها فإنها مُنْتِنَة”.

اتركوا العصبية والقبلية، اتركوا التحزب والانقياد لجماعة معينة تدافعون عنها وتتعصبون لأجلها. إنه المصطفى الذي آخى بين سلمان الفارسي وبلال الحبشي، بين صهيب الرومي وحاطب المكي. آخى صلى الله عليه وسلم بين ابن عوف المهاجري وابن ربيع الأنصاري، جمع بينهم برباط واحد ونسيج مشترك هو الإيمان بالله ورسوله، فقضى على أي تعصب ومنع أي تحزب، فكان التحول لأصحابه من مجرد رعاة للابل في الجاهلية إلي قادة فرضوا كلمتهم على الخريطة العالمية .

نهى مرسي

نائب رئيس تحرير الموقع
شاهد ايضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى