حمدي رزق يكتب.. من جوّه المشرحة
«فيديو (نيرة أشرف) من جوّه المشرحة بدون تقطيع.. شاهد الآن المقطع كاملا مع كل الإصابات..».. رسالة وصلتنى فذبحتنى، وكأن طعنة سكين أصابت قلبى.. حتى حرمة الموت تُنتهك.. وصلت لتصوير الجثث؟!.. صحيح الموت ما بقالهوش جلال يا جدع!
كتبت لم نفقد إنسانيتنا بعد، رافضا فكرة الإعدام علنا، خشية على إنسانيتنا وفطرتنا من التشويه، نالنى تلويم بلغ حد تمزيق الوجوه..
وأكررها بصدد صور جثة «نيرة» المنشورة فى المشرحة.. مَن فعلها مش إنسان، ومش بنى آدم، ومحسوب على البشر غلط، ومخلى من الشرف والأمانة، الجثة أمانة بين أيديكم، حتى الناس الطيبة يسمونها «أمانة» ترفيعًا وتبجيلًا واحترامًا للجثمان المسجى..
الحمد لله تم حذف الفيديو من المنصات الإلكترونية، ولكن يظل وصف الطعنات التى طالت الجثمان ماثلة، وصف تفصيلى يجتذب طنين الذباب الإلكترونى، وجمهرة المتابعين النهمين لأكل الجثث الميتة، وتفرغوا لعد الطعنات، مع تعقيب وحشى مروّع تجاه القاتل، يستاهل الشنق، وفصل رقبته عن جسمه علنًا.. ونتفرج عليها!!.
من ذا الذى صوّر الفيديو ونشره؟!. الكل يتبرأ بعد المشاهدة والمعاينة، والدكتور«حشيش»، مدير مستشفى المنصورة العام، يقطع: لم يتم تصوير الجثة داخل مشرحة المستشفى، ترك السؤال معلقًا حتى انتهاء تحقيقات صحة الدقهلية.
بيت القصيد: المستهدف من تصوير الفيديو الرهيب ونشره ليس عفويا بل مستهدف تشكيل رأى عام ضاغط بفعل عدد وشكل الطعنات الانتقامية التى أصابت الفتاة فى مقتل، وتركت جروحا غائرة فى القلوب.. رأى عام ضاغط فى اتجاه الإعدام علنا، وفى أسرع وقت ممكن ليشفى غليلهم الانتقامى!!.
حرمة الموتى آخر ما يفكرون فيه. انتهاك الحرمة لم يعد يشغل الضمائر. حجم التشيير وكأن قنبلة انشطارية ضربت فى الفضاء الإلكترونى بفيروس التشفى والغل..
كل يوم يمر من أيام هذه القضية يفضح عورتنا.. نفوس خربة متصحرة.. الوحشية تنضح من الصورة، مخيفة، صورة مكبرة من الحقد والغضب والثأر الذى سكن القلوب.. صورة صورة للبشر المسعورة.
شيوع هذه الصورة القبيحة مثل شيوع الفاحشة، وهى صورة فاحشة، وتُفرد لها المواقع والحوائط الإلكترونية مساحات فاحشة، فُحش أخلاقى، جريمة ضد الإنسانية..
الرِّدة إلى عصور الغاب، إلى عصور ينتهك فيها الشيطان حرمة البراءة مجسدة فى مشرحة دون وجل من ضمير، أو خشية من عقاب.
هل هناك مقترح قانونى يلجم هذا؟، هل لا تزال هناك إدارة ممنهجة تحكم البشر وتتحكم فى سلوكهم؟، متى يتحول الإنسان إلى شيطان؟.. يقينًا فى مراجع العلوم الاجتماعية والإنسانية تفسيرات لهذا السلوك الشيطانى، يستوجب ألا تمر مثل هذه الطفرات الشيطانية فى سياق البشر إلا بدراسات اجتماعية وإنسانية معمقة.
فى هذا الربع الخالى من الإنسانية سبقت حوادث من نفس العينة، وغضضنا البصر وتغافلنا وتلهينا عنها عامدين أو متغافلين.. صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ!.
مقطع الفيديو الذى لفّ العالم، صورة لو تعلمون كافية ليشيح العالم المتحضر بوجهه عنا، يأنف فعلنا، ويدين صنيعنا.. وأمام أنفسنا: ألَا نخجل، ألَا نغضب، ألَا نستحيى؟!، العالم كله شاهد الصورة، هل هذه صورة تشيّرونها بضاعة؟، بضاعتكم رُدت إليكم خسرانا!!
تبًا لكم وسحقًا لأفعالكم، اِستحوا قليلًا، ألا تخجلون من أنفسكم؟!.. انبذوا هذه الصورة القبيحة، العنوها والعنوا مصورها ومُشيّرها، وإلا صارت مثلًا.