حمدي رزق يكتب: إنها ذكرى عطرة
الذكرى الأولى لطيب الذكر المشير محمد حسين طنطاوى، (٣١ أكتوبر ١٩٣٥- ٢١ سبتمبر ٢٠٢١)، ذكرى تثير فى النفوس الأبِيّة شجونًا. وشُجُون مصدر شَجَنَ، صوت الحمام كالنواح، مثير للحزن. حزين ومثلى كثير على رحيله وأترحّم، يرحمه الله، ويجزيه خيرًا عن صالح الأعمال فى محبة الوطن.
المشير طنطاوى، يُلقب استحقاقًا بـ«المشير التاريخى»، أحد عناوين الوطنية فى تجلِّيها إخلاصًا وتضحية وفداء، وتجسدت فيه عناوين العسكرية المصرية جميعًا (النصر أو الشهادة)، و(يد تبنى ويد تحمل السلاح).
قطع بنا فى منتصف الطريق نحو بناء «الجمهورية الجديدة»، بمثابة الأب الروحى للرئيس السيسى، ولعموم قادة وضباط وصف وجنود القوات المسلحة، تربوا فى كنف قيادته التى دامت عقدين من الزمان، (٢٠ مايو سنة ١٩٩١- ١٢ أغسطس سنة ٢٠١٢)، يقينًا يفتقدون حكمته، وكان الله يرحمه حكيمًا، وتجلّت حكمته فى ضبط إيقاع سفينة البلاد العتيقة فى لجّة موج عالٍ، ضرب جنباتها بقسوة مع بداية العقد الثانى من القرن الحالى.
عاش ومات صامتًا، وبفروسية كانت عنوانه، لم يشأ أن يدافع عن نفسه فى مواجهة حملة ممنهجة وعاتية لتشويه دوره الوطنى، الذى تسجله وثائق الدولة المصرية بأحرف من نور الوطنية، أثناء رئاسته المجلس العسكرى (١١ فبراير سنة ٢٠١١ حتى ٣٠ يونيو سنة ٢٠١٢).
المشير طنطاوى وثلة من الوطنيين المخلصين أنقذوا البلاد من مخطط «الفوضى الهدّامة».
جمل الحُمول، حمل الأمانة وأدّاها كاملة غير منقوصة، ولم يرضخ لتهديدات الإخوان والتابعين، ووقف سدًّا منيعًا فى مواجهة مخطط حرق مصر، ولم يهادن، ولم تَلِنْ عريكته، ولم يخْشَ فى حق الوطن لومة لائم عقور، ووضع نصب عينيه مصر أولًا.
مثله مثل أولى العزم من الرجال الخلص، ويومًا بعد يوم يظهر الوجه الحقيقى الأصيل للمشير طنطاوى من بين ركام الأكاذيب التى راجت تتهمه بما ليس فيه، وتُحمله ما لا يحتمل، وتثير غبارًا حول دور الرجل، الذى اختاره القدَر فى لحظة فارقة ليحمل الأمانة التى تنوء بحملها الجبال، وحملها طنطاوى صابرًا محتسبًا متسلحًا بصبر جميل، وإيمان بأن الله يحميها، محروسة بأمر الله.
رحل صامتًا محتسبًا، طوال عمره وحتى مماته، عنوانه الصمت البليغ، رجل صَموت يقتات الصمت كالجِمال، جمل الحُمول، حمل العبء ثقيلًا، وقاد البلاد فى عاصفة هوجاء من الاحتمالات المفتوحة، ظل عينه وعبادته ودينه وديدنه أن يُسلم البلاد سالمة آمنة لأهلها كما تسلمها فى لحظة قدَرية.
تضحياته تحدث بها الرئيس السيسى فى وداعه: «مصر فقدت رجلًا من أخلص أبنائها وأحد رموزها العسكرية، الذى وهب حياته لخدمة وطنه لأكثر من نصف قرن، بطلًا من أبطال حرب أكتوبر المجيدة أسهم خلالها فى صناعة أعظم الأمجاد والبطولات، التى سُجلت بحروف من نور فى التاريخ المصرى»، كلمات عميقة ترد على جبال من الأكاذيب حجبت الحقيقة كاملة عن أجيال غابت عنها الحقيقة وغيبت تمامًا عن مقاصد رجال المجلس العسكرى الوطنية.
تضع النقاط ساطعة فوق حروف شاهت وتشوهت بفعل فاعل موتور، والمشير برىء، ويده طاهرة، وفى حسابه عند رب العالمين، حقن الدماء، والانحياز إلى ثورة الشعب، وقاد الجيش إلى مكانه الصحيح فى قلب الشعب حاميًا أمينًا على مقدرات الوطن، منع حربًا أهلية وَقودها الناس والحجارة، وعلى هدى من حكمته كان مكان القوات المسلحة فى قلب ثورة الشعب فى 30 يونيو المجيدة.