تحية كاريوكا “الراقصة المتمردة”… من شائعات الانقلاب إلى سجن الناشطة السياسية

كتبت / دنيا أحمد
تحية كاريوكا، التي اشتهرت كراقصة وممثلة، كانت أكثر من مجرد فنانة. فقد كانت ناشطة سياسية بارزة، وارتبط اسمها بالعديد من الأحداث الكبرى في مصر، لا سيما بعد ثورة يوليو 1952. في إحدى الفترات، تم سجنها بتهمة تورطها في خطط للانقلاب على الحكومة، بعد أن اختبأت في شقتها أحد الضباط الأحرار الذين شاركوا في الثورة. هذه الحادثة أثارت ضجة كبيرة، وطرحت تساؤلات حول دور الفنانون في السياسة، وعلاقة تحية كاريوكا بالحركات السياسية في ذلك الوقت.

القصة كاملة:
تحية كاريوكا كانت من أبرز الأسماء في عالم الفن المصري في الخمسينات، حيث نجحت في جذب الأنظار بموهبتها الاستثنائية في الرقص والتمثيل. لكن وراء هذا الوجه الفني الرائع، كانت تحية تمتلك شخصية قوية وملتزمة سياسيًا، وهو ما جعلها تشارك في العديد من الحركات السياسية في مصر خلال فترة ما بعد ثورة يوليو 1952.

حادثة السجن:
في فترة ما بعد الثورة، ومع تنامي الأنشطة السياسية السرية للمجموعة الضباط الأحرار، تورطت تحية كاريوكا في حادثة شهيرة جعلت اسمها يتردد في وسائل الإعلام. فقد تم اتهامها بإخفاء أحد الضباط الأحرار في شقتها، وهو الأمر الذي وضعها في مرمى التحقيقات الأمنية.

الشائعات التي انتشرت في ذلك الوقت تحدثت عن تورط تحية كاريوكا في خطط للانقلاب على الحكومة الجديدة، وهو ما جعل السلطات تشدد الخناق عليها. ورغم أن تحية لم تكن جزءًا من تلك الخطط مباشرة، فإن انتماءاتها السياسية كانت موضوع جدل في ذلك الوقت.
التفاصيل المحيطة بالقضية:
الضابط الذي كان قد اختبأ في شقة تحية كان أحد المشاركين في ثورة يوليو 1952، وكان ضمن الأشخاص الذين كانوا يعارضون سياسة الحكومة الجديدة، مما جعل الحادثة تأخذ منحى سياسيًا بالغ الأهمية. ورغم أن تحية كاريوكا نفت في البداية تورطها في أي مؤامرات، إلا أن السلطات اعتبرتها متهورة بسبب علاقتها مع هؤلاء الضباط، خاصة وأن الحركة الضباط الأحرار كانت تشهد وقتها توترات شديدة حول طبيعة حكم الثورة.

بعد سلسلة من التحقيقات، تم اعتقال تحية كاريوكا لفترة قصيرة قبل أن يتم الإفراج عنها. وقد أكدت تحية بعد ذلك في العديد من لقاءاتها الإعلامية أنها كانت تساند الثورة من خلال إيمانها بالأفكار التحررية التي كانت تسعى إلى تحسين الوضع الاجتماعي والسياسي في مصر، لكنها لم تكن جزءًا من خطط قلب النظام الحاكم.
مواقف تحية بعد الحادثة:
بعد الحادثة، ابتعدت تحية كاريوكا عن الساحة السياسية المباشرة، لكنها استمرت في التعبير عن آرائها من خلال أعمالها الفنية. كانت دائمًا تتحدث عن حرية المرأة ودور الفن في تشكيل الوعي المجتمعي. وقد حاولت تبرير موقفها في مقابلات لاحقة بالقول: “لقد كنت دائمًا مع مصر وشعبها، ولكن في نفس الوقت كنت أبحث عن التعبير عن نفسي من خلال الفن، ولم يكن لي أي نية في الانقلاب على الحكومة”.
تعليقات من نقاد ومؤرخين:
قال الناقد الفني الراحل فاروق عبد الرحمن في إحدى مقالاته: “تحية كاريوكا كانت حالة فريدة في الفن والسياسة معًا. لم يكن الأمر مجرد رقصة أو تمثيل بالنسبة لها، بل كانت تضع نفسها في قلب الحركات السياسية في مصر، وهذا جعلها محط أنظار السلطات والنقاد على حد سواء. ولم يكن سجنها سوى نتيجة لارتباطها العميق بالتحولات السياسية في ذلك الوقت”.
من جهة أخرى، أضاف المؤرخ السياسي الدكتور عماد الدين حسين: “تحية كانت تتنقل بين الفن والسياسة بشكل غير تقليدي، ولم تكن تخاف من التعبير عن آرائها. لكن أن تجد فنانة مثلها متورطة في هذه الحادثة يشير إلى مدى تعقيد الوضع السياسي في مصر بعد الثورة، وكيف أن الفن كان في بعض الأحيان في قلب المعركة السياسية”.
في النهاية فـ تحية كاريوكا لم تكن مجرد راقصة وممثلة، بل كانت امرأة قوية تنتمي إلى جيل من الفنانين الذين مارسوا دورًا سياسيًا محوريًا في مصر. كانت واقعة السجن وتهمة التورط في الانقلاب مجرد فصول من حياتها التي ضمت الكثير من الأحداث الكبيرة والمعقدة.
ورغم أنها ابتعدت عن السياسة المباشرة بعد تلك الحادثة، فإن أفعالها وأفكارها في تلك الفترة تظل شاهدًا على تداخل الفن بالسياسة في تاريخ مصر الحديث.






