كيف يعمل مخ الطفل وكيف يفكر.. فهم آلية التفكير والتعلم في مراحل الطفولة
كتبت / دنيا أحمد
الطفولة ليست فقط مرحلة من النمو الجسدي، بل هي فترة حاسمة في تطور الدماغ وتشكّل الإدراك والوعي. كثيرًا ما يتساءل الأهل والمربون: “كيف يفكر الطفل؟” و”لماذا يتصرف بهذه الطريقة؟”. لفهم سلوك الطفل وتفكيره، لا بد من التعرف على طريقة عمل دماغه، وكيف يتطور عبر المراحل العمرية المختلفة. هذا المقال يأخذك في رحلة مبسطة لفهم كيفية عمل مخ الطفل، وكيف يكتسب المعرفة، ويتفاعل مع محيطه، ويعبر عن نفسه.
1. تطور الدماغ عند الطفل
يبدأ دماغ الطفل بالتكوّن منذ الأسابيع الأولى من الحمل، ويستمر بالنمو السريع بعد الولادة. عند الولادة، يمتلك الطفل تقريبًا نفس عدد الخلايا العصبية التي يمتلكها البالغ، ولكن الاتصالات بين هذه الخلايا (المشابك العصبية) تبدأ في التكوّن بكثافة بعد الولادة، وخصوصًا في السنوات الأولى من العمر.
في هذه المرحلة، يكون الدماغ مثل “الإسفنجة”، يمتص المعلومات من المحيط بسرعة هائلة. لذا، يُعد التفاعل مع الطفل، والكلام معه، واللعب، من أهم العوامل التي تُحفّز تطور الدماغ بشكل صحي.
2. كيف يفكر الطفل؟
يختلف تفكير الطفل عن البالغين من حيث البساطة والتركيز على الحواس. فالأطفال يفكرون في البداية بطريقة حسية وتجريبية:
• من الولادة حتى عمر سنتين: يعتمد الطفل على الحواس والحركة لفهم العالم. يبدأ بإدراك العلاقات بين السبب والنتيجة (مثل: “إذا بكيت، ستحملني أمي”).
• من 2 إلى 7 سنوات: يبدأ الطفل باستخدام اللغة والرموز، لكنه لا يزال يفكر بشكل ذاتي. يرى العالم من منظوره فقط، ولا يستطيع بسهولة فهم وجهات نظر الآخرين.
• من 7 إلى 11 سنة: يبدأ التفكير المنطقي الملموس. يستطيع الطفل حل المشكلات التي تتعلق بأشياء حقيقية ومادية.
• من 12 سنة فما فوق: يبدأ التفكير المجرد. يمكنه الآن فهم المفاهيم المعنوية، مثل العدالة والحرية، والتفكير في “ما قد يحدث” وليس فقط “ما يحدث”.
3. دور البيئة والتجارب في تشكيل التفكير
الدماغ ليس مجرد عضو بيولوجي يعمل بشكل آلي، بل هو مرن ويتأثر بشكل كبير بالبيئة والتجارب.
• الأطفال الذين يعيشون في بيئة محفزة بالتفاعل، والحوار، واللعب، يكون لديهم تطور ذهني أفضل.
• التكرار والملاحظة مهمان في عملية التعلم، فالطفل يتعلم من خلال التقليد والممارسة.
• العواطف كذلك تلعب دورًا في التفكير، فالدماغ يتفاعل مع المشاعر، ويخزّن الذكريات العاطفية بقوة.
4. كيف ندعم طريقة تفكير الطفل؟
• الاستماع له باهتمام: عندما يشعر الطفل بأنك تحترم أفكاره، يتعلم أن يُعبّر عنها بثقة.
• طرح الأسئلة المفتوحة: مثل “ما رأيك؟” أو “ماذا يمكن أن نفعل؟” لتحفيز التفكير.
• اللعب الحر والقصص: أدوات فعالة في تطوير الخيال والتفكير الرمزي.
• تقبّل الأخطاء: الخطأ هو جزء من التعلم. لا تعاقب الطفل على التفكير المختلف أو التجربة الفاشلة.
مخ الطفل يعمل بطريقة مذهلة ومعقدة، لكن يمكن فهمها من خلال النظر إلى المراحل التي يمر بها في النمو العقلي. الطفل ليس “بالغًا صغيرًا”، بل له طريقة تفكير خاصة تتطور مع الوقت والتجربة. بدعم مناسب من البيئة والمحيطين به، يستطيع الطفل تنمية مهارات التفكير والتعلم بشكل سليم، مما يضع أساسًا قويًا لمستقبله العقلي والنفسي.
