الدوحة التاسعة والعشرون ” الصيام والعفة ” بقلم : د. ياسر أحمد العز
العفة من أجل الأخلاق وأعظمها . لان العزة مرتهنة بالعفة. فالعفيف. لا يكون إلا عزيزا . وهي تكسب صاحبها أخلاقا حسنة كثيرة. ومجالات العفة الثلاثة هي عفة اليد، وعفة اللسان، وعفة الفرج. فإذا حققها المرءسلم له دينه. وكان شريفا عزيزا في قومه. وما أحوج الناس الي عفة اليد والبطن في زمن كثر فيه التكالب علي الدنيا.
وإزدادت متطلبات الترف والسرف. أَمَّا عِفَّةُ اللِّسَانِ فَشَهْوَةُ بَنِي آدَمَ تَدْعُوهُ لِلْكَلَامِ؛ وَلِذَا كَثُرَ التَّحْذِيرُ مِنْ زَلَّاتِ اللِّسَانِ. قال صلى الله عليه وسلم«مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ». وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: «مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الجَنَّةَ».
وَفِي ثَالِثٍ: «وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟». ذاك أن الْأَلْسُنَ حَصَائِدُ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، فَإِذَا أَلِفَتِ الْأَلْسُنُ الذِّكْرَ وَالْقُرْآنَ وَالْعِفَّةَ سَلِمَ أَصْحَابُهَا. وَإِنْ وَلَغَتْ فِي الشَّتْمِ وَالسِّبَابِ وَالْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ أَهْلَكَتْ أَصْحَابَهَا، وَأَوْرَدَتْهُمُ النَّارَ.
حياة المؤمن في رمضان:
والمؤمن المستفيد في رمضان يقضي أغلب ساعاته في الذكر والقرآن فلا يبقي من وقته شئ للقيل والقال. فـ رمضان يروضه علي تشغيل آلة اللسان فيما ينفع. وحجزها عما يضر. كما ان سبب التساب والتشاتم الغضب والخصومة. المؤمن مامور وهو صائم بأن يصبر علي جهل الجاهلين ولا يرد شتائم بمثلها. بل يقابلها بالحلم والاعتذار بالصوم. ولذا كان الصيام وقاية من جهل القول وجهل الفعل.
كما قال النبي صلي الله عليه وسلم. ” الصيام جنة فلا يرفث ولا يجهل. وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ».
وأما عفة الفرج فتتبعها ولا بد عفة العين وعفة الاذن. لان العين والأذن رسولا الفرج. ومحركاه للشهوة. وقد قال رسول الله صل الله علي وسلم” إن الله كتب علي إبن آدم حظه من الزنا. أدرك ذلك لا محالة. فزنا العين النظر. وزنا اللسان المنطق. والنفس تمني وتشتهي. والفرج يصدق ذلك كله ويكذبه ” فإذا أعف المؤمن فرجه بقناعته بزوجه. او بصيام وصبره إن كان أعزبا كان .ولابد من أن تعف عينه عن الحرام وأن يعف سمعه عنه. وإلا لكان يعذب نفسه في نظره وسمعه. مع عزمه علي عدم الوقوع في المحارم. وهو حال كثير ممن يطلقون اسماعهم وأبصارهم في المحرمات. لا يستفيدون إلا تعذيب قلوبهم بما لم يصلو إليه. ورب صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش فلا خلاق له من الأجر ولا نصيب له من المثوبة.
دور الصيام في سبيل العفة:
إن صِيَام رَمَضَانَ طَرِيق إِلَى الْعِفَّةِ، فهو يُرَبِّي الصَّائِمَ عَلَيْهَا. وَمَا عَلَى الصَّائِمِ إِلَّا أَنْ يَسْتَجِنَّ بِالصِّيَامِ؛ لِأَنَّهُ جُنَّةٌ، فَيَحْفَظُ بَصَرَهُ وَسَمْعَهُ مِنَ الْفَضَائِيَّاتِ الَّتِي تَبُثُّ كُلَّ خَبِيثٍ يُحَرِّكُ الشَّهَوَاتِ. لِيَتَأَتَّى لَهُ التَّعَوُّدُ عَلَى الْعِفَّةِ، فَلَا يَمْضِي رَمَضَانُ إِلَّا وَقَدْ تَعَوَّدَ عَلَى غَضِّ بَصَرِهِ، وَحِفْظِ سَمْعِهِ. وَكَبْحِ جِمَاحِ شَهْوَتِهِ؛ لِيَنَالَ أَعْظَمَ الْجَزَاءِ، وَيَكُونَ حَقِيقًا بِقَوْلِ الرَّحْمَنِ سُبْحَانَهُ: «الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَأَكْلَهُ وَشُرْبَهُ مِنْ أَجْلِي، وَالصَّوْمُ جُنَّةٌ». وَمَا أَلَذَّهَا مِنْ حَيَاةٍ! وَمَا أَعْلَاهُ مِنْ مَقَامٍ! أَنْ يَدَعَ الْعَبْدُ شَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ، فَيَتَوَلَّى الْكَرِيمُ عَزَّ وَجَلَّ جَزَاءَهُ، فَمَنْ لَا يُرِيدُ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ، المُعَظِّمِينَ لِحُرُمَاتِ اللهِ تَعَالَى فِي رَمَضَانَ؟!