تحقيق لـ العارف بالله طلعت: كيف نقضى على التلوث البيئي من إلقاء مخلفات الأضاحي بالشوارع؟
ما يصدر من بعض المسلمون من سلوكيات تتسبب في تلوث البيئة من حولهم وبخاصة في عيد الأضحى يعد سلوك خاطئ متعلم بالتقليد ذو خطر شديد لأنه يربط في أذهان أفراد المجتمع وخاصة الأطفال بين القيام بشعيرة الذبح لله وبين السلوكيات السلبية التي قد تصدر من البعض كما تقدم لهم نماذج حية لتعلم الكثير من سلوكيات الفوضى والإهمال. وتكرار مثل هذه السلوكيات وعدم التصدي لها قد يؤدي إلى اضطراب النسق القيمي لدى الناشئة وبخاصة قيمة الجمال والنظافة وفى إطار هذا الموضوع كان لنا التحقيق التالى:
فى البداية تقول الدكتورة بشرى إسماعيل أرنوط أستاذ علم النفس بكلية الآداب – جامعة الزقازيق :شرعت الأعياد للترويح عن النفس وإسعادها، فهي قيثارة عطر تنثر عبيرها وحبات مطر تنقي القلوب وتباعد بينها وبين أحزان الحياة، وتزيد أواصر الترابط بين الفرد والآخرين في أسرته ومجتمعه. والشعائر الدينية مراسم مسنونة، المقصد الأساسي منها هو تهذيب سلوك الفرد والرقي به إلى مرتبة التقوى، والأضحية شعيرة دينية قديمة من أجل التقرب والتعبد والتكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع الواحد، لا يقتصر الهدف منها على تقديم دم ولحم الأضحية فحسب، بل شرعها الله لاستشعار عظمته ولتكبيره على أن هدانا لتوحيده. وهناك دروس نفسية كثيرة نتعلمها من شعيرة الأضحية منها: الصبر على الابتلاء، والاذعان لقضاء الله، وبر الوالدين وطاعتهما فيما أمر الله حتى ولو كان ثمنه حياة الفرد، وحب الله والتضحية من أجل الدين والقيم . فقد اختار الله إبراهيم عليه السلام وأمره أن يضحي بابنه إسماعيل، تنفيذ وطاعة لأوامره ولتعظيم دينه، كذلك فإن إذعان سيدنا اسماعيل عليه السلام لفعل الأب ومساعدته على تنفيذ أوامر الله له، أحد أوجه بر الأبناء للأباء والذي لم يتناوله علماء التربية حتى يومنا هذا. ولذلك فإن هذه الشعيرة فيها تنمية الذكاء الاجتماعي والوجداني والروحي للفرد من خلال الملاحظة والتعلم الاجتماعي تغرس فيه الإيثار، والتعاون، والمحبة والتضامن بإطعام القانع والمعتر، والرحمة بالحيوان إذ حدد له الشرع الطريقة الصحيحة للذبح وشروط اختيار الأضحية. وارتبطت الأعياد في أذهاننا بالنظافة والترتيب والجمال، بل أن المحافظة على البيئة تعتبر من القيم الأخلاقية الانسانية ومسؤولية جماعية، ولكن ما يصدر من بعض المسلمون من سلوكيات تتسبب في تلوث البيئة من حولهم وبخاصة في عيد الأضحى، يعد سلوك خاطئ متعلم بالتقليد، ذو خطر شديد لأنه يربط في أذهان أفراد المجتمع وخاصة الأطفال بين القيام بشعيرة الذبح لله وبين السلوكيات السلبية التي قد تصدر من البعض، كما تقدم لهم نماذج حية لتعلم الكثير من سلوكيات الفوضى والإهمال. وتكرار مثل هذه السلوكيات وعدم التصدي لها قد يؤدي إلى اضطراب النسق القيمي لدى الناشئة وبخاصة قيمة الجمال والنظافة، كذلك تشويه الصورة الكلية لعيد الأضحى في أذهاننا، فقد يرتبط لدى البعض منا بالتلوث وإلقاء مخلفات الأضاحي بالشوارع والطرقات والروائح الكريهة المنبعثة منها وتلطيخ دماء الأضحية على الجدران والأبواب وأكل اللحوم والتخمة، بدلاً من ارتباطه بتعظيم شعائر الله والفرحة والبهجة، هذا بالاضافة إلى أن التلوث البيئي في عيد الأضحى قد يسهم بسبب هذه السلوكيات الخاطئة في تشكيل صورة ذهنية سلبية عن الإسلام لدى غير المسلمين. ولذلك لابد من أن يبدأ كل منا بتغيير مثل هذه السلوكيات السلبية، وتوعية الآخرين من عدم الإتيان بها، وإلقاء الخطب والدروس عنها، وتناول الكتاب والمؤلفين لهذه الشعيرة وتحليلها من كافة جوانبها الدينية والنفسية والتربوية والاجتماعية، وتسليط الضوء على تلوث البيئة في عيد الأضحى في الصحف والمجلات والبرامج الإذاعية والتليفزيونية، وتفعيل دور الجمعيات الأهلية في مساعدة الأهالي للتخلص من مخلفات الأضاحي، وتخصيص المحليات لأماكن للذبح وأخرى لإلقاء المخلفات، هذا بالاضافة إلى تخصيص سيارات متنقلة بحاويات لتجميع مخلفات الأضاحي من الأهالي رأفة بعمال النظافة من جهة وبالمتضررين من أفراد المجتمع من جهة أخرى.
طهارة الروح
وأكد الدكتور غانم السعيد عميد كلية الإعلام جامعة الأزهر:إن أهم ما يتميز به المسلم ( النظافة ) سواء كانت حسية أم معنوية ، والنظافة الحسية التي تعني : نظافة الجسد ، والملبس ، والمأكل ، والمسكن ، والمكتب ، والشارع ، والحي ، هي عنوان على طهارة الروح والمشاعر والوجدان ، كما أنها دليل رقي وتحضر إنساني. ولقد جعل الإسلام النظافة واجبا على كل مسلم ، . ومع كل هذه العناية والاهتمام بالنظافة كما أمر بها الإسلام فإن مجتمعاتنا الإسلامية — مع الأسف — لا تبالي كثيرا بهذه القيمة الإسلامية العظيمة سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات. وتظهر أبرز مظاهر هذا الإهمال فيما نراه في شوارعنا التي تعج بالقمامة في كل أنحائها وأركانها مما يُزْكِمُ الأنوف ويجلب الأمراض ، وفيما نشاهده من عادات سيئة كإلقاء القمامة والقاذورات عمدا في عرض الطريق ، ومما يؤسف له أن يحدث ذلك من طبقات اجتماعية يفترض فيها أنها متحضرة في فكرها راقية في تصرفاتها فنراهم يقذفون بمخلفاتهم من نوافذ البيوت والسيارات. ومما يزيد من الأسى والأسف أن يكون للقاذورات مواسم في حياتنا تصبح فيها شوارعنا وبيوتنا موبوءة بورث المواشي وبقاياها … وأقصد بذلك أيام عيد الأضحى حيث تقوم غالبية الشعب بذبح الأضاحي خارج المجازر … فيتم نحرها إما فوق أسطح البيوت أو في الجراجات تحت العمارت ، أو في الشوارع وأمام البيوت .. ثم يترك روثها وبقاياها في مكان ذبحها أو حول صناديق القمامة ليتجمع عليها الذباب ، أو يصيبها العفن ، وتنهشها الكلاب ، بدون أدنى مراعاة للآداب الإسلامية التي تحض على النظافة العامة والخاصة وتدعو إلى إماطة الأذى عن الطريق. وعدم مراعاة —أيضا — للذوق العام الذي يفرض على المواطنين الأسوياء أن يهيئوا لغيرهم بيئة صالحة يعيشون فيها في هدوء وسلام واطمئنان ومع قرب عبد الأضحى المبارك نهيب بالمواطنين أن يلتزموا بذبح أضاحيهم داخل المجازر سواء كانت خاصة أو حكومية ، وأمامهم فسحة من الوقت إذا كان هناك تزاحم على تلك المجازر فإن أيام الذبح ثلاثة أولها يوم العيد وهذا من تيسير الله لنا حتى لا يكون المسلم بأضحيته التي يتقرب بها إلى ربه سببا في سخط الناس عليه فيضيع عليه أجر وثواب الأضحية في مقابل الأذى الذي وقع على الناس منه
خطورة صحية
وقالت الدكتورة منى غيطاس أستاذ الأدب والنقد المساعد ورئيس قسم الأدب والنقد بكلية الدراسات الإسلامية والعربية – جامعة الأزهر بالقاهرة: تبزغ في كل عيد أضحى ظاهرة تنتشر في شوارعنا ، وهي ظاهرة ذبح الأضاحي على اختلاف أنواعها : أغنام ، أبقار … وهي حالة غريبة يشهدها المجتمع المصري كل عام . وليس بخاف على أحد أن لهذه الظاهرة أضرارها على مستويات عدة : أولا على المستوى الصحي : فدماء الحيوانات المذبوحة تختلط بالأتربة وغيرها ، وتمثل حاملا خطيرا لأمراض مختلفة تنتشر عدواها طوال العام . علما بأن ذبح الحيوانات لا يخضع للكشف البيطري ، وبالتالي قد نجدها تحمل بعض الأمراض ، ويظهر تأثيرها على الحالات المرضية المختلفة . كما يساعد انتشار الذباب على نقل الأمراض بقوة خاصة الأطفال والمرضى من كبار السن ؛ مما يشكل خطورة صحية كبيرة . ثانيا : على مستوى صحة الذبح : فقد يكون هذا الذابح ( الجزار ) غير ماهر ، أو نظرا لسرعة أداء مهامه ؛ للانتقال إلى آخر ؛ نتيجة ذلك قد يتبع طرقا غير آمنة في الذبح . فقد يذبحة بسكين غير مناسب ، أو يعذب الحيوان ؛ وذلك بعدم فصل رأسه عن جسده تماما . وفي ذلك خطر كبير على الإنسان ؛ لأنه يحول دون تصفية جسد الحيوان تماما . فقد جاء في الحديث الشريف :” إن الله كتب الإحسان في كل شيء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح ، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته ” . رواه مسلم . ثالثا : على المستوى البيئي : نتيجة الذبح في الشوارع ؛ تشيع الدماء ؛ مما يؤدي إلى التلوث والروائح الكريهة والمناظر البشعة ؛ لا سيما في العيد ، وهو الوقت الذي يستعد فيه المسلمون للتجمل والزينة والبهجة . كما لا يخفى تأثير البيئة السلبي على الإنسان . تطبيقا لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم ” لا ضرر ولا ضرار ” . وإذا انتبه المسلم إلى كل هذه المخاطر على نفسه وأسرته وبيئته التي يعيش فيها ، وتأثير ذلك على الصعيد القريب والبعيد ؛ فعليه مراجعة نفسه تجاه الذبح في الشوارع ، وأن يلجأ إلى المكان المخصص لذلك ، وهو المجازر ؛ حماية لنفسه وذويه .
نظافة المظهر
وقال الشيخ عبداللطيف سعد رمضان إمام وخطيب بوزارة الأوقاف:الأضاحى شعيرة جليلة حث عليها الشرع الحنيف وعظم من شأنها وأمرنا بتعظيم هذه الشعيرة . قال تعالى (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ) على أنه قد يحدث من جرائها ما يكدر الصفو و يضر بالإنسان وبالبيئة المحيطة به وإذا كان الإسلام يحث على نظافة المظهر والمكان وحماية البيئة فإن سلوك البعض يخرج عن إطار هذه القيمة وذلك بالذبح فى الأماكن العامة والشوارع والطرقات وذلك له تأثيره البالغ على البيئة وعلى صحة الإنسان وقد نهانا الشرع الحنيف عن الضرر فى النفس وإضرار الغير فقال صلى الله عليه وسلم ( لا ضرر ولا ضرار ) وشأن المؤمن أن يزيل القاذورات عن طرق الناس ومنتدياتهم لا أن يضعها هو . قال النبي صلى الله عليه وسلم ( الإيمان بضع وستون أو بضع وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان إن على المجتمع المدنى أن يساهم فى حل هذه المشكلة بتوفير المجازر المخصصة لذبح الأضاحى وجمع جلودها لينتفع بها المجتمع فى صورة خدمات يعود نفعها على الجميع . إنه يجب أن نعكس صورة الإسلام الصحيحة التى تقيم شعائر الله في إطار من الانضباط السلوكى الذى يعكس روح الدين فى إقامة شعائره دون أن نضر بأنفسنا أو بالبيئة من حولنا
السلوكيات المدمرة
وأوضح لواء دكتور أيمن رمضان الزيني الخبير الأمنى والاستراتيجى:لاشك ان هناك سوء فهم لدى الكثيرين للأمر الالهي الى نبي الله ابراهيم بنحر الضحية هو افتداء لولده بما يعني المحافظة على استمرار الإنسان في الحياة وتكاثره امّا الاحتفال بالاضاحي بهذة طريقة فيهدد البيئة في وجودها ويحول دون استمرار الحياة بطريقة وآمنة. وهنا يأتي دور الاعلام ومنظمات البيئة والمجتمع المدني في القيام بحملات توعية لتغيير هذه السلوكيات المدمرة للبيئة . فالشوارع مع أيام عيد الأضحى تمتلئ بدماء الأضاحى التى تصبح بؤرة واسعة الانتشار نحو مايقرب من 330 مرض ، كما أن المخلفات الأخرى التى تلقى بالشارع لا تقل خطورة عن هذه الدماء ، فهذه العادة تسبب أخطارا مضاعفة خاصة مع انخفاض الوعي، لأن معظم الماشية من أبقار وأغنام تعاني أمراضا برغم مظهرها الصحي الجيد ، وهو مايعد مصدرا لانتشار الأمراض والوباء ، خاصة لدى الأطفال الذين تنخفض لديهم المناعة وتسهل إصابتهم . وذبح الاضاحي في الشوارع وأماكن التجمعات السكانية يعد من السلوكيات المؤثمة والمعاقب عليها في قانون البيئة المصري ، ويعرض من يقترفه لعقوبات قد تصل للغرامة التي يمكن أن يصل حدها الأقصى لعشرين ألف جنيه .
وعرف المشرع المصري في المادة الأولي من قانون البيئة المصري رقم 4 لسنة 1994 والمعدل بالقانون رقم 9 لسنة 2009 ، تلوث البيئة بأنه كل تغير فى خواص البيئة يؤدي بطريق مباشر أو غير مباشر إلى الإضرار بصحة الإنسان والتأثير على ممارسته لحياته الطبيعية ، أو الإضرار بالموائل الطبيعية أو الكائنات الحية أو التنوع الحيوى “البيولوجى” .
كما عرف في ذات المادة المواد الملوثة للبيئة المائية بأنها ،أية مواد يترتب على تصريفها في البيئة المائية بطريقة إرادية أو غير إرادية تغيير في خصائصها أو الإسهام في ذلك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على نحو يضر بالإنسان أو بالموارد الطبيعية .
كما حظر في المادة 37 من ذات القانون إلقاء أو معالجة أو حرق القمامة و المخلفات الصلبة إلا في الأماكن المخصصة لذلك بعيدا عن المناطق السكنية و الصناعية و الزراعية و المجاري المائية . كما نص في المادة 87 من ذات القانون على معاقبة من يقترف تلك السلوكيات بغرامة لا لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على عشرين ألف جنيه ، مع الحكم بمصادرة الأجهزة والمعدات المستخدمة فى ارتكاب الجريمة وفى حالة العود لأقتراف تلك السلوكيات تضاعف الغرامات المنصوص عليها فى الفقرتين السابقتين . ولاشك أن الأمر يقتضي التطبيق الصارم للأجهزة المعنية للدولة لأحكام قانون البيئة المصري سالفة الذكر ، حماية البيئة وللمحافظة على صحة المواطن المصري وسلامته .