«احياء النبي لليلة القدر» بقلم: د. احمد يوسف الحلواني
روى الإمامان البخاري ومُسلِم في صحيحهما، عن الصدّيقة أم المُؤمِنين عائشة – رضيَ الله عنها وأرضاها -، قالت كان رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل العشر – تعني الأواخر، العشر الأواخر -، شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله.
قال العلماء عن قول عائشة رضى الله عنها أحيا ليله، يحتمل أحياه كله، على غير عادته صلى الله عليه وسلم في غير رمضان.
وقد ثبت رضى الله عنها في صحيح مُسلِم أنها قالت ما أعلم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم الليل بطوله.
وهو يُحيي الليل دائماً صلى الله عليه وسلم، في غير رمضان، ولكن لا يُحييه كله، كما في صحيح مُسلِم.
قالت كان – صلى الله عليه وسلم – يخلط في العشرين – العشر الأول والعشر الأوسط – نوماً وصلاةً – أي نوماً وقياماً، يقوم وينام -، فإذا كان العشر – تعني الآخر أو الأواخر، كلاهما صحيحان، قالت فإذا كان العشر، أي الآخر أو الأواخر -، قام الليل كله.
ومن الواضح أنه كان صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك ابتغاء ليلة القدر.
وهو مَن هو؟
هو روحي وأرواح العالمين له الفداء.
وهو مَن هو؟
هو مَن غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، ومَن خُتمت به النبوات والرسالات، ومَن قرن الله اسمه باسمه، وجعله وسيلته العُظمى إليه.
ومع ذلك يجتهد ابتغاء هذه الليلة، التي ورد فيها عنه صلى الله عليه وسلم أنها ليلة مَن حُرم خيرها، فقد حُرم.
يقول المحروم على التحقيق هو الذي لا يُوفَّق ليلة القدر، هو الذي تفوته ليلة القدر، جالس على المُسلسَلات، باللعب، بالتمشي في الشوارع والتنزه، بحديث الدنيا والكلام الذي لا طائل تحته، بالنوم تفوته.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم لشدة حرصه على ألا يفوته جُزءٌ من هذه الليلة، كان في العشر الأواخر يُؤخِّر فطره إلا فقط ربما على ماء أو تمرة، ولكن لا يأكل بعد ذلك، ويجعل فطره سحوراً، يتسحَّر! فالفطر والسحور وجبة واحدة في العشر الأواخر، وهذا ثابت عنه، كما روته أم المُؤمِنين عائشة – رضيَ الله عنها وأرضاها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجعل فطره سُحوراً أو سَحوراً لئلا يفوته جُزءٌ من هذه الليلة.
قال شيخ الإسلام أبو جعفر بن جرير الطبري – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – كانوا يستحبون الاغتسال في ليالي العشر الأواخر. والنبي كان يفعل هذا، من باب التزين والتطيب، لأن هناك ملائكة، أعداد هائلة قد تكون بالمليارات، مليارات الملائكة تنزل في هذه الليلة، والأهم من هذا جبريل، الروح الأمين! نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ولذلك كان الصحابة أو كان بعض الصحابة يدخر ثوباً جديداً ولباساً كريماً لهذه الليلة، يُخرِجه ويغتسل بين المغرب والعشاء، ثم يلبسه، يُطيّبه ويشهد به هذه الليلة، حتى إذا كان، طواه إلى السنة القابلة لم يلبسه أبداً، إلا في هذه الليلة.
اللهم ووفِّقنا إلى مُصادَفة ليلة القدر، وأعظِم لنا فيها الثواب الجزيل والأجر، واجعلنا فيها من المقبولين المسعودين، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم لا تحرمنا خير ما عندك بشر ما عندنا، لا تُؤاخذنا بما فعل السُفهاء منا، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم وأعِد علينا رمضان أعواماً عديدة وسنين مديدة، واجعلنا فيه دائماً مِمَن وفَّقته إلى طاعتك وأحسنت قبول عمله، إلهنا ومولانا رب العالمين.