مقالات

حمدي رزق يكتب: مطبلاتى!

حمدي رزق يكتب: مطبلاتى!

حمدي رزق يكتب: مطبلاتى!
حمدي رزق

«حديث التطبيل» يسرى، وطبّلى طبّل على طبلى.. وعلى صدى ملاسنة انفجرت إذ فجأة بفعل تغريدة سخيفة صدرت عن المهندس «نجيب ساويرس» بحق إعلاميين مقدرين، فباتوا غاضبين، ردوا الصاع صاعين وثلاثة.

يلح على الذاكرة بيت شعر ذائع لأمير الشعراء «أحمد شوقى» من قصيدته المعروفة بـ«سينية أحمد شوقى» يقول: «أحرامٌ على بلابله الدوح حلالٌ للطير من كل جنس؟».

أمير الشعراء كان يرد عن الموالين غلو الرافضين، تلطفًا لا أقول الكارهين، فإذا ما ارتأى صاحب منصة فضائية أو إلكترونية أو صحفية ما يراه، فله ما يراه، وقد تختلف معه وترفض ما خطّه وتكتب ما تراه (أنت) صوابا، والاختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية.

المنهج العاقل الراشد مؤداه «رأيى صواب يحتمل الخطأ، ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب»، وهذه منسوبة للإمام الشافعى، وهناك أخرى عن الفيلسوف الفرنسى «فولتير» تقول: «قد أختلف معك فى الرأى، ولكنى مستعد أن أدفع حياتى ثمنا لحقك فى التعبير عن رأيك».

مثل هذه القواعد الحوارية، للأسف، مفتقدة فى الحوار المجتمعى، وأكثر وضوحا بين النخب المسيسة، حوارات النخب ملؤها الترهيب والتخوين والتوصيف المهين، فهذا عميل، وهذا مطبلاتى، وهذا شِمال، وهذا دولجى، وهذا كولجى، وهذا مخبر، وهذا جاسوس.. وهكذا تتناثر الاتهامات كمياه النار، حارقة تشوى الوجوه. لم تبرأ الساحة الحوارية الوطنية من أمراضها المزمنة والسارية، الاغتيالات المعنوية وصفة مجربة، فزاعة لكل صاحب رأى يعتقده صوبًا، وتجرأ وأعلنه على الناس، وهذا نهج قنوات الإخوان العقورة فى إشانة سُمعة المتصدين لكذبهم البواح.. يرهبون الموالين وحتى المعارضين بسلقهم قضائيًا وإلكترونيًا بألسنة حداد!.

ومن قديم، ففى النصف الأول من القرن الثانى، نجد «عبدالله بن المقفع» يقول: «مَن وضعَ كتابًا فقد اسْتَهْدَفَ؛ فإن أجاد فقد استشرَفَ، وإن أساء فقد استُقذِفَ»، وروى عن «أبى عمرو بن العلاء» أنه قال: «الإنسان فى فسحة من عقله، وفى سلامة من أفواه الناس؛ ما لم يَضع كتابًا، أو يقُلْ شعرًا»، وقال «يحيى بن خالد البرمكى»: «لا يزال الرجل فى فُسحة من عقله ما لم يقل شعرًا أو يصنف كتابًا». خلاصته كما قال العميد «طه حسين»: «من ألّف فقد استُهدف»!!.

الاستهدافات صارت مشاعًا، وأكثرها شيوعًا «مطبلاتى».. وفى المعجم، طبالة طِبالة، حرفة الطَّبَّال بمعنى يهوَى الطِّبالة مُنْذ الصِّغر، ورغم تقدم فنون الموسيقى فمازالت للطبالة مكانتها، ولكنها فى الكتابة منكورة.. وإذا تقرر اغتيال كاتب، يصفه المهين الذى لا يكاد يبين بـ «المطبلاتى». طلقة واحدة بين العينين، فيخرّ صريعًا فى الفضاء الإلكترونى، هذه الطلقة القذرة كالقنبلة القذرة تطلق فى أثرٍ كل مَن يفكر مجرد التفكير فى الإشارة لمنجز أو لمعلم، أو لقرار يُرتجى منه نفعًا.

من حزن السنين السوداء نفرٌ من المتنفذين إلكترونيًا عينوا أنفسهم من تلقاء أنفسهم «مراقبًا عامًّا» رقيبًا عتيدًا، مهمته البائسة عنوانها «امسك مطبلاتى»، ويرد عليه طيب الذكر الساخر العظيم «أحمد رجب»: «أمدح وطنى ويشتمونى.. خَيْرٌ مليون مرة من أن أشتم وطنى ويمدحونى».

نهى مرسي

نائب رئيس تحرير الموقع
زر الذهاب إلى الأعلى