عاجلعالم الفن

سميحة أيوب… فنانة بمقام أم ومواقف لا تُنسى في كواليس الفن

سميحة أيوب… فنانة بمقام أم ومواقف لا تُنسى في كواليس الفن

سميحة أيوب

كتبت / مايسة عبد الحميد 

برحيلها اليوم، لا تفقد مصر مجرد قامة فنية كبيرة، بل تودّع أمًّا روحية للوسط الفني، حملت في قلبها مزيجًا فريدًا من الحزم والحنان، وخلّفت وراءها مواقف إنسانية ظلت تُروى في الكواليس وعلى ألسنة زملائها جيلاً بعد جيل.

إنها سميحة أيوب، سيدة المسرح العربي، التي لم تكن فقط صاحبة أداء مبهر على خشبة المسرح، بل كانت مرشدة ومُساندة وداعمًا صادقًا لكل من عمل معها.

“أنا معاكي يا بنتي”… بداية يسرا على يدها

من بين المواقف المؤثرة، ما روته الفنانة يسرا أكثر من مرة عن أولى خطواتها في عالم الفن، حين شعرت بالرهبة في أحد العروض المسرحية، فاقتربت منها سميحة أيوب وقالت بصوتٍ حنون:
“أنا معاكي يا بنتي، بصّيلي لو حسيتي بالتوتر… إحنا عيلة واحدة هنا.”
وكانت تلك الكلمات بمثابة طوق نجاة ليسرا، التي قالت لاحقًا:
“علمتني كيف أكون فنانة بصدق، وامرأة بشموخ.”

موقف لا يُنسى مع أحمد زكي

أما النمر الأسود أحمد زكي، فكان كثير الحديث عن احترامه العميق لسميحة أيوب. في إحدى البروفات الصعبة، انفعل زكي بسبب ضغط العمل، فما كان منها إلا أن قالت له بهدوء الأم:
“يا أحمد، إنت مش ممثل بس… إنت مشروع فن كبير، ما تضيّعوش بالغضب.”
وروى لاحقًا أنها كانت من القلائل الذين كانوا يعرفون كيف يهدئونه حين تعصف به مشاعره، وكان يعتبرها “صاحبة الفضل الأكبر على جيله”.

شهادة حياة الفهد وسعاد عبدالله

حتى خارج حدود مصر، امتد أثرها. ففي حوار لها، قالت الفنانة الكويتية حياة الفهد إن سميحة أيوب كانت الملهمة الأولى لها في المسرح العربي، وأنها كانت تتابع أداءها وتحفظ بعض مونولوجاتها، مؤكدة:
“لو لم ألتقِ سميحة أيوب، لربما بقيت مجرد هاوية.”
أما سعاد عبدالله، فوصفتها بـ”المعلم الأول”، و”سيدة بحجم وطن”.

دعم النجوم الشباب

سعت سميحة دائمًا لاحتواء الأجيال الجديدة، لم تتعالَ يومًا على المبتدئين، بل كانت تفتح ذراعيها وتشجعهم على الإبداع. حتى في سنواتها الأخيرة، كانت تحضر العروض الشبابية، وتجلس في الصف الأول تصفّق بحرارة، ثم تمنح ملاحظات دقيقة بروح الناقدة والمعلمة.

في أحد المهرجانات، صادف أن ممثلة شابة نسيت حوارها على المسرح، فصفّقت سميحة أيوب من مقعدها، ما أعاد تركيز الممثلة، وعندما انتهى العرض، قالت لها:
الغلط وارد، لكن الوقوف من الغلط هو اللي بيعمل فنان.”

لم تكن علاقتها بزملائها قائمة على الزمالة فقط، بل على الاحترام العميق والإخلاص. في إحدى زياراتها للفنانة الراحلة فاتن حمامة خلال مرضها، جلست بجوارها تمسك يدها وتقرأ لها الشعر بصوتها الرخيم. وعندما توفيت فاتن، كانت سميحة من أوائل من وقفوا في الجنازة، تبكيها كأنها أخت.

فنانة بوجهين: سيدة المسرح… وسيدة القلوب

في رحيل سميحة أيوب، لا نرثي فنانة فقط، بل نودّع ذاكرة حية من العطاء الإنساني والفني، امرأة شكّلت جسراً بين الأجيال، وعلمتنا أن الفن الحقيقي لا يُقاس بعدد الأدوار، بل بعمق الأثر.

ستبقى مواقفها، كما أعمالها، حاضرة بيننا… تُلهم، وتُرَبّي، وتُعلّم.

وداعًا يا ست الكل… المسرح يبكيك، والقلوب تفتقدك.

مايسة عبد الحميد

نائب رئيس مجلس إدارة الموقع
زر الذهاب إلى الأعلى