حيرة المتنورين والمثقفين بين حرائق كاليفورنيا ومأساة فلسطين!
كتب/ د. محمد كامل الباز
يبدو أننا بحاجة لرسائل ماجستير ودكتوراه في فهم طبيعة الإنسان المتنور، نحتاج دراسة متخصصة لسلوك هذا المتمدن.
كائن يدعو للحيرة والتأمل، فلن نتطرق جانبًا لنضاله وكفاحه لكل ماهو إسلامي، ولن نتكلم عن هدفه الوحيد الذي يعيش من أجله وهو مهاجمة كل ما هو إسلامي ونقد أي منهج يدعو لمدح السلف أو الشكر فيهم، لن أتكلم عن هذا، فتلك ثوابت أساسية في شخصية الكاتب المتنور المتحضر، لو اختفت إحداها فيه يُطرد من جمعية المثقفين المتحضرين.
لكن كلامي اليوم عن خلُق غريب لهذا المتنور، وصل ذلك الخلق إلى الحزن بل الدفاع عن كل حادث أو مصيبة تحدث لأعداء الأمة أو حتى داعميهم!!
خرج علينا البعض من هؤلاء المتنورين بكتابات ومقالات، هل لدعم أهالي غزة؟ لا
هل لمحاولة تخفيف بعض من همومهم؟! لا
هل لمخاطبة المجتمع الدولي الذي وقف يشاهد الأطفال وهي تموت من البرد؟؟ لا والله
بل خرج هؤلاء المتنورون لإقناعنا أن السرطان لو أصاب نتنياهو عقب أزمته الصحية الأخيرة فهو مرض عادي يصيب الصالح والطالح، لا يشترط أن يكون عقاب من عند الله.
أخذ هذا الكاتب وذاك المثقف يصول ويجول في أعماق الكتب ودهاليز التاريخ بل من الممكن أن يكون ترك أشغاله وذهب للمستشفيات والمصحات للبحث عن علماء دين وشيوخ قد أُصيبوا بالسرطان.
وذلك لسبب واحد وهو أن يقنعنا أنه لا فائدة من الدعاء وأن ما حدث لنتنياهو بعيد كل البعد أن يكون عقابًا من الله -هو ملاك بريء لم يفعل شىء يستوجب هذا الظن- وأن هذا حادث عرضي ليس له علاقة بدعاء الأمة كلها عليه، بل مجرد صدفة طبية منفصلة عن ظلمه وطغيانه ضد أهلنا في غزة.
كل ذلك كي ينفي أن يكون هذا عقاب الله وانتقام منه، فالصالحون يصابون أيضًا بالسرطان (الرجل بحث وتعب وأتى بالكثير من الأمثلة!!).
ولم يتوقف سيادته بتحليلاته وتفسيراته المبهرة عند هذا الحد، بل جُن جنونه بعد أحداث كاليفورنيا الأخيرة، عزّ عليه إحساس الضعفاء والمساكين بأن المولى-عز وجل- عاقب أمريكا على دعمها لهذا الكيان المغتصب، فغضب بشدة من إحساس الناس بأن الله استجاب لهم وانتقم من هذا المغرور الذي استوعد المنطقة بعقاب وجحيم إذا لم يُفرج عن الأسرى اليهود، فأراه الله الجحيم بعينه، لم تؤثر فيه مناظر الخيام المحروقة والأطفال المقتولة والأمهات الثكالى، ولكنه تأثر فقط من خسائر أمريكا الداعمة للكيان في قتل الأطفال، أخذ يفسر ويحلل، يبرر ويدبر، تندم على الإنسانية التي ماتت عندما فرح أناس مظلومون بانتقام الله لهم، وبدأ يطالبهم بالحزن والنحيب على قاتليهم ونسيان أطفالهم وأمهاتهم.
أي طراز من البشر هؤلاء، والله لو كانت دراستي في علم النفس لطالبت بضرورة عمل استقصاء أو رسالة بحثية للوقوف على أسباب كره المتنورين لكل ماهو إسلامي، ظاهرة غريبة وعجيبة، تدعو للتأمل.
تاه محدودي الفهم هؤلاء بين الابتلاء والعقاب، وأخذوا يجمعون بين ابتلاء الصالحين وبلاء الظالمين، تفرق الأمر بينهم وساووا بين غرق فرعون وهلاك النمرود وبين قتل يحيى ورفع المسيح.
لم يميز عقلهم بين ما يفعله الله للمؤمن كي يرفع من درجاته وبين عقابه للمجرم كي يقتص ويزيد من دركاته، فتشابه عندهم هلاك أبوجهل وأبولهب مع مقتل عثمان والفاروق، نظرته القاصرة ساوت في الظاهر ولم ينتبه للمآل الحاضر.
نؤكد لهم أن الله عدل لن يساوي أولياؤه بأعدائه، ومن المستحيل أن يتشابه شعب أعزل تم قتله وتشريده أمام الجميع بآخر بارك للمعتدي وأمده بكل أنواع الأسلحة.
شتان بين موت الصالحين حرقًا في الخيام وبين حرائق داعمي اللئام.
وإذا كان حضرة المتنور المبجل قد أكد أنه عقاب للكل، فالسرطان يصيب المؤمن والظالم، والموت يأتي للصالح والطالح، فنرد عليه أن الطيبين إذا كانوا يألمون كما يألم الخبيثون إلا أنهم يرجون من الله ما لايرجون.