ذاكرة السمك: خرافة أم حقيقة
كتبت: دنيا أحمد
لطالما سمعنا التعبير الشائع “ذاكرة السمك”، الذي يُستخدم للدلالة على قِصر الذاكرة والنسيان السريع، وغالبًا ما يُقال ساخرًا عن شخص ينسى بسرعة. لكن هل تساءلت يومًا إن كانت هذه المقولة مبنية على أساس علمي؟ وهل فعلاً الأسماك لا تتذكر شيئًا وتنسى كل ما يحدث بعد لحظات؟ في هذا المقال، نغوص معًا في أعماق الحقائق العلمية لنكشف مدى صحة هذه الفكرة المنتشرة، ونعرف: هل ذاكرة السمك قصيرة كما يُقال، أم أن الواقع مختلف تمامًا؟
ذاكرة السمك: ما أصل المقولة؟
انتشرت عبارة “ذاكرة السمك” في العديد من الثقافات، وغالبًا ما تُستخدم للإشارة إلى ضعف الذاكرة أو السهو السريع. يُقال إن الأسماك لا تحتفظ بالمعلومات لأكثر من ثوانٍ معدودة، لكن هذا الاعتقاد لم يكن مبنيًا على أبحاث علمية دقيقة بل على ملاحظات سطحية وتكرار شعبي.
العلم يقول كلمته
في السنوات الأخيرة، كشفت دراسات عديدة أن للأسماك قدرة على التذكر والتعلم تفوق ما كنا نظنه. فقد أظهرت تجارب أُجريت على أنواع مثل سمك السلور والبلطي والذهبي (Goldfish)، أن بإمكانها تذكر تجارب ومواقع معينة لفترات تمتد إلى شهور. كما ثبت أنها قادرة على التعرّف إلى أصحابها والتمييز بين الأصوات المختلفة وربطها بالطعام، وهذا يدل على أن ذاكرتها ليست “ثلاث ثوانٍ” كما يُشاع، بل قد تكون أطول مما نتصور.
تدريب الأسماك
في بعض التجارب، استطاع العلماء تدريب أسماك الزينة على السباحة في اتجاه معين للحصول على طعام، أو الضغط على زر معين لتفعيل موزع طعام. هذه السلوكيات تشير إلى وجود ذاكرة طويلة المدى مرتبطة بالتعلم والتجربة.
لماذا نظن العكس؟
ربما تعود الفكرة الخاطئة إلى أن الأسماك لا تُظهر تعبيرات وجه أو تفاعل واضح مثل الحيوانات الأخرى، مما يجعلنا نظن أنها بلا وعي أو إدراك. كما أن البيئة المائية تجعل من الصعب تتبع سلوكها وتحليل ردود أفعالها بدقة.
فـ الأسماك ليست بمثل هذا النسيان كما نعتقد، بل لديها ذاكرة وقدرات معرفية مدهشة في بعض الأحيان. لذلك، في المرة القادمة التي تفكر في استخدام عبارة “ذاكرة السمك”، تذكّر أن الحقيقة العلمية قد تكون أعمق بكثير من المظاهر.
العلم مستمر في تغيير نظرتنا إلى الكائنات من حولنا. ومع كل دراسة جديدة، نتعلّم أن الحياة تحت الماء أكثر تعقيدًا ودهشة مما كنا نعتقد. لذا، دعونا نترك “خرافة ذاكرة السمك” خلفنا، ونبدأ في احترام هذه الكائنات بما تستحق من تقدير وفهم.
