دينا شرف الدين تكتب… فى ذكرى يوم الشهيد.. “سلاما على أرواح شهدائنا الأبرار”
ونحن نجدد العهد عاما بعد الآخر بالوفاء والدعاء والاحتفاء بشهدائنا الأبرار حماة الوطن ودرعه المتين وسيفه البتار الذى لا يتردد لحظة فى بذل الروح والدم فداءً لوطنه، لنحتفل بيوم الشهيد ونتذكر أبطالنا الكثر الذين أسلمت أرواحهم لبارئها وتخلدت ذكراهم بقلوبنا وعقولنا وسجلات تاريخنا المشرفة.
وفى حين نحتفل بذكرى الشهيد حضرنى أن أتحدث بداية عن أنواع الشهادة ومنازل الشهداء ودرجاتهم عند المولى عز وجل، فالشهادة فى سبيل الله تعرف بأنها حالة شريفة تحدث للعبد عند الموت، لها سبب، وشرط، وقد اختص الله سبحانه وتعالى الشهداء بمنازل لا يصلها غيرهم، وأعد لهم مكانة عليا فى جنانه، وكرمهم بالرحمة والمغفرة، إذ يبقيهم سبحانه وتعالى أحياء يرزقون فى رحابه.
والشهداء خمسة أنواع:
– النوع الأول هو من مات فى سبيل الله عز وجل وهو يحارب عن دينه وعن وطنه.
– النوع الثانى المبطون.
– النوع الثالث المطعون.
– النوع الرابع الغريق.
– النوع الخامس صاحب الهدم.
وفى هذا الشأن نستشهد بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث ورد عنْ أبى هُرَيْرةَ،، قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ: الشُّهَدَاءُ خَمسَةٌ: المَطعُونُ، وَالمبْطُونُ، والغَرِيقُ، وَصَاحبُ الهَدْم وَالشَّهيدُ فى سبيل اللَّه”، متفقٌ عليهِ.
كما وعد المولى عز وجل الشهيد بمنزلة عظيمة ومنحه الشفاعة لسبعين من أقاربه، ووعده بشرف دخول الجنة بصحبة النبيين والصديقين والصالحين، إذ قال سبحانه وتعالى فى كتابه العزيز: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا أتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171)}.
وكما خلق الله الناس بعضهم فوق بعض درجات اختلفت كذلك درجات الشهادة ومنازل الشهداء:
فمن قاتل فى سبيل الله دفاعاً عن دينه أو وطنه وأرضه وعرضه فقتل له الدرجات العلى، ومن استشهد دون ذلك بمرض ببطنه أو وباء أو غرق أو حرق أو تحت هدم فقد منحهم الله الشهادة بتفضل منه عز وجل نظراً لصعوبتها وشدة آلامها رحمة من الله، لكنهم يغسلون ويصلى عليهم عكس شهداء الجهاد الذين لا يغسلون وقد لا يصلى عليهم كما فعل النبى صلى الله عليه وسلم ببعض المرات.
وقد يمنح الله الشهادة لمن تمناها من قلبه بصدق ومات قبل أن يلقاها، إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه (رواه مسلم).
وما أكثر الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم دفاعاً عن مبدأ ونصرة لدين الله وصوناً للعرض ودفاعاً عن الأرض، فلم يبخل بروحه “سيد الشهداء” حمزة بن عبد المطلب عندما قاد جيش المسلمين بوجه العدو لإعلاء كلمة الله ونصرة نبيه صلى الله عليه وسلم مرات عديدة لينعم بالشهادة فى غزوة أحد.
وقد دافع عن مبدئه حتى الموت “أبو الشهداء” الحسين بن على حفيد النبى صلى الله عليه وسلم، ليتجلى بأروع صورة فى مأساة إنسانية شديدة القسوة الصراع الأبدى بين الخير والحق من ناحية وبين الشر والنفعية من ناحية أخرى.
ومن شهداء نصرة الدين لشهداء الدفاع عن الوطن على مر العصور، وما أكثرهم، فقد قدم الجيش المصرى أقدم الجيوش النظامية فى العالم، ورجال القوات المسلحة على مدى التاريخ المصرى منذ عهد الملك مينا موحد القطرين، وإلى أبطال الجيش المصرى فى سيناء الآن، بطولات مجيدة، إذ تمتلك قواتنا المسلحة تاريخا كبيرا من البطولات وسجلا مليئا بأشهر الشهداء الذين ضحوا بحياتهم من أجل رفعة هذا الوطن.
بداية من “سقنن رع”
آخر ملوك الأسرة السابعة عشر بمصر القديمة، والذى استشهد ومن بعده ابنه “كاموس” أثناء حربة على الهكسوس الذين غزوا أرض مصر، حتى انتصر عليهم وطردهم ابنه الثانى “أحمس” وإلى {طومان باى} “السلطان الشهيد الأشرف أبو النصر طومان باى آخر سلاطين المماليك الشراكسة فى مصر، الذى استشهد بموقعة الريدانية وعلقت رأسه على باب زويلة أثناء مقاومته للغزو التركى لمصر بقيادة سليم الأول.
ومن هؤلاء الأبطال بالأزمنة البعيدة لأبطال الجيش المصرى بالعصر الحديث الذين سجلوا بحروف من نور بطولات ستظل تحكى عنها الأجيال، لتتعلم المعنى الحقيقى للوفاء والاستبسال، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر:
الجنرال الذهبى الفريق عبد المنعم رياض
رئيس أركان حرب القوات المسلحة الذى حقق انتصارات عسكرية مشرفة خلال حرب الاستنزاف، كمعركة رأس العش التى منعت فيها قوة صغيرة من المشاة سيطرة القوات الإسرائيلية على مدينة بور فؤاد آخر يونيو1967، وتدمير المدمرة الإسرائيلية إيلات فى 21 أكتوبر 1967 وتدمير 60% من تحصينات خط بارليف، وفى يوم 9مارس سنة 1969ترجل الفارس وسقط شهيدا على الجبهة بالإسماعلية عند النقطة رقم6 لتخلد ذكراه فى ذاكرة الوطن.
إبراهيم الرفاعي
بطل الصاعقة المصرية وأمير الشهداء العميد إبراهيم السيد محمد إبراهيم الرفاعي قائد المجموعة 39 قتال صاعقة فى حرب أكتوبر 1973، والذى يتخذه كل مقاتل فى الصاعقة المصرية قدوة ويسعى للسير على دربه، والذى استشهد فى ليلة وترية يوم الجمعة 19 أكتوبر 1973 الموافق 23 رمضان 1393 أثناء مواجهة القوات الإسرائيلية فى ثغرة الدفرسوار.
أحمد المنسى
البطل العقيد أركان حرب أحمد صابر منسى والذى استشهد فى 7 يوليو 2017، فى معركة البرث بشمال سيناء.
كما لن ننسى ذكرى الشهداء العقيد أركان حرب رامى حسانين والنقيب محمد صلاح والنقيب خالد مغربى الشهير بـ”دبابة” وغيرهم الكثيرون.
⁃ ومن شهداء الجيش المصرى لشهداء الشرطة المصرية الذين تخلدت ذكراهم وحفرت أسمائهم بقلوبنا،
أمثال:
اللواء نبيل فراج.. «شهيد فض كرادسة»
سجل اللواء نبيل فراج الضابط الصعيدى ابن سوهاج فى هذا التاريخ، اسمه ضمن شهداء الوطن، خلال مواجهة مجموعة من الإرهابيين، الذين كانوا يسعون للسيطرة على منطقة كرداسة، ٩ سبتمبر ٢٠١٣.
عمر القاضي.. “شهيد عيد الفطر”
فى يوم 5 يونيو 2019 بينما ترتفع أصوات تكبيرات عيد الفطر فى المساجد، صاحبتها أصوات طلقات الرصاص الإرهابية الغادرة لتحصد روح الملازم أول عمر القاضى وأفراد كمينه من المجندين.
أحمد شوشة
النقيب أحمد شوشة أحد أبطال ملحمة الواحات ٢٠١٧، والذى ظل صامداً يقاوم الإرهابيين حتى بعد أن نفذت زخيرته ولم يترك ميدان المعركة حتى سقط شهيداً.
“المقدم محمد حسان”
قائد الكتيبة الثانية قطاع دعم الشهيد محمد السواح والذى استشهد أثناء ملاحقة بعض تجار المخدرات والسلاح بالدقهلية منذ شهر على الأكثر.
وكما قال الرئيس عبد الفتاح السيسى: (نحن صامدون)، نحارب الإرهاب نيابة عن العالم.
نهاية:
سلاما على أرواح خيرة شباب مصر وصفوة أبنائها التى حصدتها رصاصات الغدر والخسة والإرهاب، والذين يثبتون لنا يوماً بعد يوم ومرة تلو الأخرى أنهم بحق درع الوطن وأمنه وأمانه الذى ننعم به وترتاح أجفاننا ليلاً لنستغرق بنومٍ آمن متكئين على هؤلاء الأوفياء الذين تظل أعينهم ساهرة غير مبالين بأرواحهم ليصدوا عنا جميعاً أى خطر، متمنين الشهادة حاملين فى كل عملية أرواحهم على كفوفهم فداءً للوطن وإن كان المقابل الروح والدم.
سلاماً على أمهات قد أدمت قلوبهن أصعب الجراح وأشدها قسوة بفراق فلذات الأكباد ونور الأعين، تعلو وجوههن علامات الصبر والرضا والاحتساب عند الله شهداء، فأى صبر وأى ابتلاء.
سلاماً على والد الشهيد الذى أراح قلبه وهدأ من فزعه أن اطمئن على ولده بعد أن رأى رصاصة الغدر بصدرة لا ظهره ليتأكد أنه من الشجعان الذين لا يهابون الموت ولا يديرون ظهورهم لعدو أياً كانت سطوته وجبروته.
سلاما على أهالى قرية أحد شهداء الواجب الذين خرجوا دون أن يتخلف منهم أحد مستقبلين عريس الجنة بالزغاريد، مفتخرين بابنهم البار الذى قضى نحبه لينعم كل منهم باستقراره وأمنه.
سلاماً على شعب مصر بأكمله الذى أعلن الحداد والجهاد، والذى خيمت على جميع شوارعه ومساكنه سحابات الحزن العميقة وامتلأت صدوره بمشاعر الغضب والرغبة فى القصاص العاجل. ما عدا الشامتين الذين يعرفون أنفسهم جيداً، فليسوا منا ولسنا منهم
اللهم إنا احتسبناهم عندك شهداء، اللهم تقبلهم قبولاً حسناً وأسكنهم فسيح جناتك بصحبة النبيين والصديقين والصالحين.
اللهم أفرغ على قلوب أمهاتهم وآبائهم وذويهم صبراً جميلاً وأثلج صدورهم بالقصاص العادل العاجل، اللهم عليك بالظالمين الذين يتخذون كتابك هزواً ويحرفون الكلم. عن مواضعه ويحللون ما حرم الله ويتاجرون بالدين أحقر تجارة.
أولئك الذين خسروا الدنيا والآخرة، ومأواهم جهنم وبئس المصير، والذين هم أشد خطورة من العدو المعلن الذى يكشف عن وجهه لنصده وندافع عن أرضنا بميادين المعارك لا بالمطاردات فى الجحور والمخابئ.
“ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون”.