دينا شرف الدين تكتب: وثيقة المطلقات
في ظاهرة مجحفة قد فرضها المجتمع، وأقرها لتتأصل وتتحول إلى عرف وتقليد قد سجن المرأة المطلقة بسجن افتراضي آن الآوان أن تتخلص من قضبانه الظالمة.
فقد تم تصنيف المجتمع للمرأة المطلقة على أنها درجة تانية، والذي سلبتها الكثير من حقوقها المشروعة التي لم يكن ذنب من ذنوبها أن تفقدها لكونها مطلقة.
إذ أصبحت ضغوطات المجتمع أشد قسوة من مرارة الفشل التي قد تتحملها هذه البنت التي تزوجت عن طيب نية، ثم شاء القدر لسبب أو لآخر أن تفشل تلك الزيجة وكما نعلم تتعدد الأسباب.
فأصبحت فرص التي سبق لها الزواج بأمر العرف محدودة، فعليها أن ترضخ لفكرة الزواج من رجل يكبرها سناً بفارق كبير، وغالباً ما يكون لديه أولاد فتقتصر أمنياتها على أن تربي أولاده.
أو أن تقبل بأن تكون زوجة ثانية سراً أو أي شكل من أشكال امتهان الكرامة وسلب الحقوق دون وجه حق.
أما عن موضوع الطلاق، فقد تعددت وتنوعت أسبابه، لكنها نتاج لثقافة وأخلاقيات مجتمع. ولشديد الأسف فقد تجسدت سلبيات هذا المجتمع في ذاك الكيان الصغير المسمى بالأسرة، فبعض الأسرة نالها تدهور ثقافي ومعرفي وانهيار خلقي وذوقي وتعليمي!
وبالتالي خرجت للحياة أجيال لا تعلم شيئاً عن شىء سوى القشور والسطحيات فحسب، كما انصرفت الأجيال التي سبقتها بفعل ضغوط الحياة التي لا ترحم عن ترسيخ القيم والعادات والتقاليد الخاصة بتحمل المسؤولية وتربية الأبناء وتكوين أسرة جديدة ذات أساس متين لا تهدمها الشدائد فتعلمها لأبنائها كما علمنا أباؤنا وأمهاتنا بالماضي القريب.
ولكننا الآن وفي غفلة من الزمن، وجدنا أنفسنا بمناخ آخر لم نعتده وتغيرات اجتماعية حادة لم نألفها، فبعد أن كان خيار الطلاق بين الزوجين هو نهاية حتمية لابد منها بعد محاولات ومحاولات مستميتة للتوفيق والإصلاح من الطرفين بنفسيهما أولاً ومن جميع المحيطين من الأهل والأقارب والأصدقاء بعد ذلك.
بات قرار الطلاق هو الأقرب والأسهل لدى جميع الأطراف! بغض النظر عن الخراب المادي الذي سيقع علي عاتق الطرفين وذويهم والخراب المعنوي الذي سيدمر حياة آخرين، خاصة إن كانت هناك ثمرة لهذا الزواج من الأبناء الذين لا حول لهم ولا قوة، ولم يقترفوا أي ذنب في تلك الصفقة الخاسرة!
فلم يعد هناك طرف باستطاعته تقبل الآخر بما فيه من عيوب، وكأنه لم يكن يعلم أن بكل شخص عيوب إلى جانب الميزات، فقد خلي قاموس أخلاقيات الأجيال الجديدة من قيم كثيرة كالصبر والتسامح والمودة والرحمة والصدق، وتم استبدالها بقيم جديدة غريبة ودخيلة علينا مثل: الأنانية والمراوغة والقسوة والتهور والتمرد.
و هنا تكمن المشكلة!
وثيقة التأمين ضد مخاطر الطلاق، و التي أثارت جدلاً واسعاً، ذلك بعد أن وافق مجلس النواب المصري على مجموع مواد “قانون التأمين الموحد”، ليجمع قوانين التأمين المعمول بها في الدولة في تشريع واحد، يضم 217 مادة إلى جانب 5 مواد إصدار، وفق ما نشرته وسائل إعلام مصرية.
وضمن المواد، يحظى قانون “التأمين الاجتماعي” بأهمية خاصة، لما استحدثه من “وثائق تأمين جديدة” وأهمها الوثائق التي نصت عليها المادة 39 من مشروع القانون، وألزمت بإصدار عدة وثائق تأمين إجبارية، منها ما يعرف بـ”وثيقة التأمين على مخاطر الطلاق” أو “وثيقة المطلقات”، .
وفي تلك الوثيقة المستحدثة يتحمل الزوج رسومها كاملة، ويدفع ثلثي ثمنها العريس مع عقد الزواج،
في حين يدفع الثلث الباقي من الرسوم، مع شهادة الطلاق.
وتم تحديد شرطين لصرف قيمة الوثيقة، هما “أن يقع الطلاق بطلقة بائنة كبرى، وأن يكون الزواج استمر لمدة 3 سنوات”.
وحال توافر الشرطين فللمطلقة الحق في صرف مبلغ الوثيقة بمجرد الحصول على إشهار الطلاق، لحين صرف النفقة والالتزامات المالية الأخرى التي تقع على عاتق الزوج بعد الانفصال، ولا ينطبق صرف الوثيقة على حالات الخلع.
وكشف الأمين العام لهيئة كبار العلماء والمشرف على الفتوى بالأزهر، عباس شومان، عن تلقي مؤسسة الأزهر “القانون” مؤخرا، ليتم فحصه”.
وسوف تعلن هيئة كبار العلماء والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية عن رأيهم في الوثيقة، بعد مناقشتها بشكل وافي، بأسانيد من القرآن والسنة، ر.
كما خالف الرأي مدير إدارة الدعوة بمجمع البحوث الإسلامية سابقا، عبدالعزيز النجار، على أن الوثيقة “تخالف مقاصد الشريعة”.
ووثيقة التأمين على “مخاطر الطلاق” لا يمكن أن “تحقق المقصد الشرعي من الزواج المبنى على “الأبدية والإمساك بالمعروف وعدم وضع نية مسبقة للطلاق .
وأن “الأصل بقاء الزواج”، والطلاق “قضية شرعية في حال استحالة العشرة واستحكام الخلاف”.
لكن أن تتحول الزوجة لـ”سلعة يتم التأمين عليها”، فهذا أمر مرفوض شرعا ولا يتوافق مع “مقاصد الشريعة الإسلامية”، وبالتالي من حق الرجل أيضا طلب “وثيقة خلع” وأن يحصل على تأمين إذا خلعته زوجته، وفق ما يوضحه النجار.
إذا زادت حقوق المرأة عن الحقوق الشرعية “طغت الزوجة”، وإذا زادت حقوق الرجل “طغي الزوج”، ولذلك ينبغي تطبيق الشريعة الإسلامية (كما هي) والابتعاد عن مثل تلك الأمور”.
لكن على جانب آخر، يؤكد ، أحد علماء الأزهر، الداعية محمد علي، أن الوثيقة “لا تخالف الشريعة الإسلامية”، نظرا لكون “العقد شريعة المتعاقدين”.
وطالما حصل الرضا بين جميع الأطراف، أصبحت الأمور يسيرة، والوثيقة من باب “التكافل الاجتماعي” الذي حث عليه الدين، ولا شك أنها سوف تخضع لمراجعة أساتذة الفقه بالأزهر،”.
ويقول إن “بعد خراب الذمم وانعدام الضمير، أصبح قانون المطلقات يحفظ للمرأة حقوقها عند الطلاق، وإذا ارتضى الزوج هذا الشرط فلا شيء فيه”.
وسجلت مصر في عام 2022، حالة زواج كل 34 ثانية، بينهما وقعت حالة طلاق كل 117 ثانية، وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبير العامة و الإحصاء “.
وبلغ عدد حالات الطلاق في مصر 269.8 ألف حالة عام 2022، وبلغ متوسط عدد حالات الطلاق في الشهر 22.5 ألف حالة وفي اليوم 739 حالة، وفي الساعة 31 حالة، وحالة طلاق كل 117 ثانية، أي أقل من دقيقتين ،
تؤكد أستاذة مناهج علم الاجتماع بجامعة عين شمس، عزة فتحي، أن التأمين على “مخاطر الطلاق” أنه سوف يحافظ على حقوق “السيدات المطلقات”، اللاتي يعانين بسبب “تقاعس الأزواج عن دفع النفقة والالتزام المالية” بعد الانفصال.
إذ أن البعض من الرجال كانوا السبب في “تشرد الأسر وسوء حال أطفالهم وتحول بعض السيدات إلى غارمات لا يستطعن إعالة أسرهن”، بسبب التهرب من “دفع النفقات” بعد الطلاق،
ورأت أن “حماية المرأة، وصيانة حقوقها” هو الحل لمواجهة ذلك “التقاعس والتهرب من المسؤولية”، ولذلك جاءت وثيقة التأمين على مخاطر الطلاق، في ظل منظومة “الحماية المجتمعية للنساء”،
و تري رئيسة اتحاد نساء مصر، هدى بدران، إلى أن “المرأة المصرية تم تمكينها اقتصاديا واجتماعيا”، وفي حال “استحالة المعيشة فالطلاق ليس مشكلة”.
وهناك شروط محددة ليكون “الطلاق” مشكلة حقيقية، وذلك في حال “وجود أطفال وعدم دفع الزوج النفقة”، وفي ظل عدم عمل المرأة، وبالتالي فالتأمين على “مخاطر الطلاق”، يجب أن يكون مرتبط بتلك الحالات،”.
وتشير بدران إلى أهمية أن تكون الوثيقة “اختيارية”، بينما يتم النظر للعلاقة الزوجية كـ”عقد اجتماعي متكامل”.
وعلى من يرغب بالزواج أن يقوم بوضع “الشروط التي تناسبه”، وتسجيل العقد في الشهر العقاري،
إمكانية تطبيقها ومتى يتم ذلك، وما زال النقاش مستمرا حول هذه الوثيقة ما بين مؤيد و معارض.
نهاية:
فنحن بصدد كارثة مجتمعية تتلخص بكلمة واحدة وهي (الطلاق) والتي تستوجب التصدي بكل قوة كي لا ينهار المجتمع بأسره علي إثرها ، و علي كل متضرر من تلك المأساة المشاركة الفعالة في القضاء عليها بداية من:
– الأبوين
المنوط بهما حسن تربية الأبناء وغرس القيم والأعراف و الدين و الأخلاقيات بنفوسهم منذ الصغر وأن يكونوا لهم نموذجاً صالحاً للأسرة المترابطة، لا المنفّرة المفككة التي تتسبب بنمو العقد النفسية المتعددة لدي الأطفال لتكبر كلما كبروا و تتأصل و تستوحش فتجعل منهم آباء و أمهات غير أسوياء!
كما يجب أن يكف الأبوين عن ذنبٍ يقترفونه بحق بناتهم تحديداً وهو الإلحاح على ضرورة الزواج بسن معين حتى لا تتجاوز البنت هذه السن فتصبح بنظر المجتمع عانسا!
فالضغط المستمر على ضرورة الزواج حتي بمن لا تقبله الابنة ولا تربطها به أية مشاعر ولا تتفق معه فكرياً يعد هو الآخر من أهم أسباب الفشل و الإنهيار الذي لا ينتهي سوي بالطلاق .
-“التوعية و التأهيل النفسي”
من خلال عدة منابر هامة علي رأسها التعليم من ناحية وو وسائل الإعلام ذات التأثير شديد السرعة من ناحية أخرى، لتأصيل مفاهيم لم تعد موجودة وترسيخ قيم لم تعرفها الأجيال الحالية و التحذير من التسرع و التخويف من تبعات الفشل و ما قد يخلِفه من ضحايا جدد!
-“اهتمام الدولة بحل المشكلة”
تلك التي تشكل عائقاً حيوياً في طريق تقدم المجتمع و تعرقل من إنجازاته و تثبط الهمم التي نحن أحوج ما نكون إليها لاستكمال خطة إعادة بناء الوطن ، فلسنا بحاجة إلي مجموعات من الشباب المحبطين المتأزمين الذين ضاعت مدخراتهم علي مشروع زواج فاشل !
وها قد وضع السيد الرئيس تلك المشكلة الخطيرة في دائرة اهتماماته التي لا تحتمل المزيد، و دعا المجتمع لمناقشة أسباب الظاهرة ووضع خطط جادة لحلها و التصدي لها، و إصدار القوانين و التشريعات التي تحد من مخاطرها.
فالأسرة هي نواة المجتمع الأساسية، إن صحت وصلحت واستقامت ، صح الوطن وصلح واستقام .
اللهم طهر نفوسنا، وأصلح ذات بيننا واحفظ وطننا.