سفر الأحلام.. بقلم: هادي السيد
لم نكن نتوقع يوما أن الأحداث ستكون سريعة هكذا ، وأن العمر يمضي ولم يخطرنا إلا بعد أن ترتسم على وجوهنا علامات المشيب ، و لم يعد يسعفنا الوقت لتحقيق أحلامنا ، تلك الأحلام التي التهمتها نار الحروب بجميع مسمياتها ، إلى أن ضاعت مقاصدنا وسط ذلك الزحام .
ولم يعد يؤنس وحدتنا ويسعد أوقاتنا غير تلك البدايات بحلوها ومرها .
من منا لا يتذكر ذلك الإنسان ، الإنسان الذي فقد بداخلنا ، فقد كان يمارس حياته كحلم متقطع ، فلم يستبق الأحداث ، غير أنه مفعم بالنشاط والحيوية ، فلم ينشغل بالحسابات ولا بالأرقام .
لم تكن هذه الأشياء مجرد ذكرى في حياتنا، فهى تحمل أجمل ما فينا ، بل وتنتقل معنا في كل مكان نذهب إليه ؛ فكلما أردنا تجديد لوحاتنا وتطويرها ، عدنا إليها كي تمحي آثار المرض الذي أصاب أنفسنا وشوه مفهوم العلاقات الإنسانية فيما بيننا .
فما الدنيا إلا جسر عبور ، فهناك من يعبره بسلام وهناك من تتكرر عليه خيباته ، ولم يعد يحيطه سوى الشعور بالندم .
فلا تثق بها فهى رخيصة لا ثمن لها و لا تستحق التعلق في ذيلها وطمئن قلبك فلن تعطيك ما تريده ، بل تأخذ هى منك ما تريده ثم تتركك وتمضي هذه عادتها .
فهى من قدمت كل الإغراءات لكل من غلبه هواه وأضله السبيل ، وسحرته بزينتها
و كانت توهمه دوما بالأمل وأنها من تختصر تلك المسافات ، إلى أن أصبح مجرد دمية هامدة لا تمنحه سوى الخسارة المتكررة .
كلما أسقطنا الشعور بالندم أرضاً على ما قد وصل بنا الحال إليه ثم ألقى بنا على حافة الهاوية واستنفذ كل ما بداخلنا من طاقة ، كلما أصابنا العجز التام حتى أصبحنا مغيبون ؛ فابتعدنا عن أنفسنا ، و رحلت عنا ضمائرنا ، و قست قلوبنا فأصبحنا غرباء .
لكننا على يقين أننا من صنعنا تلك الخيوط ونحن من نسجناها وحددنا بها تلك المسافات التي أوصلت بنا إلى هنا .
فلم يعد هناك ما يعوضنا عن سنين العمر التي راحت هباءا وأخذت معها زهرة شبابنا ودفنت في طياتها أحلام الصبا ، ولم يعد في مقدورنا إعادة الزمن الذي كان يجمعنا على الحب والخير مع أقرب الناس إلى قلوبنا .
فلنسلم أمرنا إلى الله ونتوكل عليه (و من يتوكل على الله فهو حسبه وكفى بالله حسيبا)