مبادرة 150 مليار جنيه والتنمية المستدامة
بقلم المستشار د. محمد محمود مهران
سعدت بالإعلان عن مبادرة جديدة لدعم القطاعات الإنتاجية بإتاحة 150 مليار جنيه تمويلات ميسرة بفائدة 11٪، لأنشطة الإنتاج الزراعي والصناعي، التي أعلن عنها الدكتور محمد معيط وزير المالية تنفيذاً لتكليفات الرئيس «السيسي» بشأن دعم القطاعات الإنتاجية الصناعية والزراعية.
وأرى من وجهة نظري أن هذه المبادرة سوف تُسهم بشكل كبير في تحقيق الأمن الغذائى فى ظل التحديات العالمية التي يواجهها العالم، فضلاًعن تداعيات الحرب الروسية الاوكرانية التي أثرت على مواطنين كافة الدول، بالإضافة إلى تحقيق الأهداف الاستراتيجية للدولة المصرية بتعظيم القدرات الإنتاجية وتلبية احتياجات السوق المحلي.
ويتضح من هذه المبادرة أنها تهدف إلى الحد من الاستيراد وزيادة الصادرات، من خلال تشجيع المستثمرين في مصر على التوسع في الإنتاج، وزيادة التصدير، ومن أجل تحقيق التنمية المستدامة للحفاظ على حقوق الأجيال الحالية والقادمة، ولحماية المجتمع من خطر انعدام الأمن الغذائي لبعض الفئات الضعيفة.
إن الاهتمام بالتنمية المستدامة هو أمر منصف للغاية لتلك الأجيال الحالية والمستقبلية، ويتعين على البلدان المتقدمة أن تأخذ دور الصدارة في مكافحة التغير المناخي والآثار الضارة المترتبة عليه للحفاظ على حقوق الأجيال الحالية والقادمة من التغيرات المناخية، والتخفيف من آثارها وحدتها، لتنمية كافة المجالات الصناعية والزراعية والمائية.
ومن المسلم به أن التنمية المستدامة حق والتزام معترف به في القانون الدولي، ويسترشد هذا الحق بمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، والعديد من الاتفاقيات الدولية، كما يؤدي إلى احترام قواعد القانون الدولي، وكذا يرتكز على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان.
لقد تم تكريس مفهوم التنمية المستدامة، ويعتبر مؤتمر «ستوكهولم» المتعلق بالبيئة البشرية لعام 1972 أول مؤتمر تم من خلاله اقرار العلاقة بين البيئة والتنمية الاقتصادية، بحيث نص المبدأ الخامس من إعلان ستوكهولم على وجوب استغلال الموارد الغير المتجددة للأرض على نحو يصونها من النفاذ وتكفل إشراك البشرية قاطبة في الاستفادة من هذا الاستغلال؛
وعقب ذلك أصبحت التنمية المستدامة من أهم موضوعات القانون الدولي للبيئة، وهذا من خلال الاستراتيجية العالمية للمحافظة على الطبيعة عام 1980، وإعلان نيروبي عام 1982، والميثاق الأفريقي عام 1981، والميثاق العالمي للطبيعة عام 1982.
َكما يلاحظ أن فكرة التنمية المستدامة أكد عليها أيضاً دستور مصر الصادر عام 2014، حيث نص فى المادة (27) الفقرة الأولى تحت عنوان المقومات الاقتصادية على أنه يهدف النظام الاقتصادي إلى تحقيق الرخاء في البلاد من خلال التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، بما يكفل رفع معدل النمو الحقيقي للاقتصاد القومي، ورفع مستوى المعيشة، وزيادة فرص العمل وتقليل معدلات البطالة، والقضاء على الفقر.
وجاء بالمادة (46) منه: أن لكل شخص الحق في بيئة صحية سليمة، وحمايتها واجب وطني، وتلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للحفاظ عليها، وعدم الإضرار بها، والاستخدام الرشيد للموارد الطبيعية بما يكفل تحقيق التنمية المستدامة، وضمان حقوق الأجيال القادمة فيها.
لذا يستلزم لقيام المجتمعات تبني إستراتيجيات متكاملة طويلة المدى تنطوي على الحفاظ على خصوبة الأرض وزيادة إنتاجيتها وإعادة تأهيلها والحفاظ عليها وترشيد استخدام الموارد المائية وإدارتها بطريقة مستدامة.
نثمن بالتأكيد أهمية هذه المبادرة، نظراً لأن اتخاذ مجموعة من السياسات الاستباقية للحفاظ علي الإنتاجية الصناعية والزراعية وزيادتها، والتي تمثل الأعمدة الأساسية لدعم الاقتصاد القومي، تقلل من خطورة التأثير السلبى للمناخ على الزراعة وخطورة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناتجة من قطاع الزراعة، لتحقيق الزراعة المستدامة.
وكان لابد من تحسين الظروف البيئية والمصادر الطبيعية التي تعتمد على مقومات الاقتصاد الزراعي للاستفادة بأقصى درجة ممكنة من المصادر غير المتجددة المحدودة، وكذلك دمج الدورات البيولوجية الطبيعية وطرق التحكم فيها، لإنعاش اقتصاد أنشطة المزرعة وتحسين جودة الحياة للمزارعين بوجه خاص وللمجتمع ككل.
حيث أن هذه السياسات الاستباقية تسعى إلى تلبية الاحتياجات الإنسانية من الغذاء والكساء، فضلاً عن تحسين نوعية البيئة وقاعدة الموارد الطبيعية التي يعتمد عليها الاقتصاد الزراعي، وتحقيق الاستخدام الأمثل للطاقة غير المتجددة والموارد الموجودة في الحقول، بالاضافة إلى تحقيق التكامل بين أساليب المكافحة الأحيائية والدورات الأحيائية الطبيعية، كلما أمكن، مع الحفاظ على قابلية اقتصاد الحقول للاستمرار، وتحسين نوعية حياة المزارعين والمجتمع ككل، مؤكداً أن المجال الزراعي لا يقل أهمية عن نظيره الصناعي.