الدوحة السابعة .. “رمضان والذِكر” بقلم: د. ياسر أحمد العز
إن قلوب البشر كلها ، كغيرها من الكائنات لا غنى لها عن أي مادة من المواد التي بها قوام الحياة والنماء ، ويتفق العقلاء جميعا ، أن القلوب قد تصدأ كما يصدأ الحديد. وأنها تظمأ كما يظمأ الزرع. وتجف كما يجف الضرع ؛ ولذا ، فهي تحتاج إلى تجلية وري ، يزيلان عنها الأصداء والظمأ. والمرء في هذه الحياة ، محاط بالأعداء من كل جانب ؛ نفسه الأمارة بالسوء ، تورده موارد الهلكة.
وكذا هواه وشيطانه ، فهو بحاجة ماسة ، إلى ما يحرزه ويؤمن ، ويسكن مخاوفه ، ويطمئن قلبه . وإن من أكثر ما يزيل تلك الأدواء ، ويحرز من الأعداء ، ذكر الله فهو جلاء القلوب ، ودواؤها إذا غشيها اعتلالها . قال ابن القيم رحمه الله : سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول : الذكر للقلب مثل الماء للسمك ، فكيف يكون السمك إذا فارق الماء ؟..
إن الذنوب كبائرها وصغائرها لا يمكن أن يرتكبها بنو آدم ، إلا في حال الغفلة والنسيان لذكر الله عز وجل ؛ لأن ذكر الله تعالى ، سبب للحياة الكاملة التي يتعذر معها أن يرمي صاحبها بنفسه في أتون الجحيم ، أو غضب وسخط الرب العظيم ، وعلى الضد من ذلك ، التارك للذكر. والناسي له ، فهو ميت ، لا يبالي الشيطان أن يلقيه في أي مزبلة شاء . قال تعالى : ومن يعْشُ عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين. وقال تعالى : ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى قال ابن عباس رضي الله عنهما : الشيطان جاثم على قلب ابن آدم ، فإذا سها وغفل وسوس ، فإذا ذكر الله خنس . وكان رجل رديف النبي عليه الصلاة والسلام: على دابة ، فعثرت الدابة بهما ، فقال الرجل: تعس الشيطان.
فقال له النبي عليه الصلاة والسلام:: ((لا تقل : تعس الشيطان ؛ فإنه عند ذلك يتعاظم حتى يكون مثل البيت ، ولكن قل : بسم الله . فإنه يصغر عند ذلك حتى يكون مثل الذباب )) وحكى ابن القيم رحمه الله عن بعض السلف ، أنهم قالوا : إذا تمكن الذكر من القلب ، فإن دنا منه الشيطان صرعه الإنسي. و كما يصرع الإنسان إذا دنا منه الشيطان ، فيجتمع عليه الشياطين ، فيقولون : ما لهذا ؟ فيقال : قد مسه الإنسي .
إن الذكر قوت القلوب الذي متى فارقها صارت الأجساد لها قبورا ، وعمارة الديار التي إذا تعطلت عنه صارت دورا بورا. وهو السلاح الذي يقاتل به قطاع الطريق. والماء الذي يطفأ به لهب الحريق . بالذكر ، تُستدفع الآفات ، وتستكشف الكربات ، وتهون المصاب الملمات ، زين الله به ألسنة الذاكرين ، كما زين بالنور أبصار الناظرين . فاللسان الغافل ، كالعين العمياء ، والأذن الصماء ، واليد الشلاء .ذاكر الله ، لا تدنيه مشاعر الرغبة والرهبة إنما يحركه حبه لله. ووجده به ، إنه لا تقلقه أعداد القلة والكثرة ، وتستوي عنده الخلوة والجلوة. ولا تستخفه مآرب الحياة ودروبها . ذكر الله عز وجل ، باب مفتوح بين العبد وبين ربه ، ما لم يغلقه العبد بغفلته يقول أحد الصالحين اذكر الله بلسان قد أحسنت صنعه يجلى لك صدأ قلبك. ويجلب لك المزيد من شكرك ويمنحك جائزة المزيد من حمدك. وقال الحسن البصري رحمه الله : تفقدوا الحلاوة في ثلاثة أشياء : في الصلاة ، وفي الذكر. وقراءة القرآن ، فإن وجدتم ، وإلا فاعلموا أن الباب مغلق