حمدي رزق يكتب: آه من قيدك أدمى معصمى
صحيح لا يوجد قانون يسمى «ازدراء الأديان» فى المحروسة، ولكنها فقرة فى مادة، وحدها قانون، الفقرة «و» من المادة 98 من قانون العقوبات المصرى.
نصها يعنى عن ذكرها: «يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تجاوز خمس سنوات أو بغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تجاوز ألف جنيه كل من استغل الدين فى الترويج أو التحبيذ بالقول أو بالكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعى».
على ما أذكر كان هناك توجيه رئاسى صدر فى (نوفمبر 2022) ووجّه الرئيس بـ «إعداد مجموعة من الخبراء من وزارة الأوقاف والأزهر ودار الإفتاء، للاستعانة بهم فى قضايا ازدراء الأديان».
هل تم تشكيل هذه اللجنة فعلا، ومن هم أعضاؤها، وما حجيتها القانونية، وهل توفرت على مراجعة هذه المادة، ووقفت على البلاغات بالازدراء التى ترفع من آن لآخر وفقا لهذه المادة، هل راجعت اللجنة (إذا كانت شكلت) مثلا قضية المدون «شريف جابر» قبل الحكم بسجنه 5 سنوات بتهمة الازدراء؟!.
لو أحسن المؤتمنون على (الحوار الوطنى) فى محور (حقوق الإنسان والحريات العامة) لتوفروا على مراجعة الفقرة «واو» بالمادة 98 من قانون العقوبات، مادة الازدراء، والسعى لإبطالها.
طالما بقيت هذه الحية أقصد الفقرة (واو) تسعى فى أثر المفكرين، وبما تحتوى على عقوبات سالبة للحريات، ويكتوى بحروفها الكتّاب والمفكرون والمجتهدون، تناقض كونها دولة مدنية حديثة.
بقاء هذه الفقرة الثعبانية يعطى جماعة «المحتسبين الجدد» مددًا لرفع المزيد من القضايا على المجتهدين، وتفتح الباب واسعًا لتقييد حرية الفكر، ومطاردة المفكرين، تنقب عن جملة فى رواية أو شطرة فى بيت شعر، أو خط متموج فى لوحة، أو لفظ طائش فى حوار فضائى، لتقيم عليه حد الازدراء!.
استمرار هذه الفقرة (المطاطة)، وإجهاض محاولات معتبرة للخلاص منها، كمحاولة الدكتورة «آمنة نصير» أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، للأسف تبدو مثل موافقة ضمنية على سجن المفكرين، وقمع أى محاولة للتفكير خارج أسوار مؤسسة سجن الفكرة ووأد الأفكار!.
هل ترى الحكومة ضرورة لوجود هذه المادة، وأين استراتيجية «تجديد الخطاب الدينى» من الإعراب، أى محاولة للتجديد ستعصف بالموروث ستواجه حتمًا بقضية ازدراء، وإذا تجرأ أحدهم على الاجتهاد خارج الإطار مصيره السجن وبئس القرار.
وجود هذه الفقرة «واو» من المادة (98) يشكل إحباطًا كاملا لمحاولات جد حثيثة لتحرير الفكر من ربقة السجن تعالت موجتها على صدى محاكمات الفكر التى جرت وقائعها محزنة ببلاغات تهتبل الفقرة «واو»، تحولت إلى سوط عذاب، لترهيب المفكرين.
هذه الفقرة «واو» تحولت إلى ثقب أسود، تبتلع كل محاولات تجديد الفكر، وتحديث المحتوى، تسجن أى فكرة إذا ارتأت المؤسسة الدينية، وتحصن منتجات هذه المؤسسة ضد النقد والنقض والجرح، والجرح كما هو معلوم من علوم الحديث.
معلوم من أدبيات الحقوق والحريات لا يوجد حق طليق من أى قيود، لكن هنا قيد من خارج العدالة، قيد الفقرة واو، آه من قيدك أدمى معصمى لمَ أبقيه ومـا أبقى علىَّ!.