حمدي رزق يكتب… دكتور شوقى علام.. فقيه الدولة الوطنية
من رجال الطيب والمسك تهب من الجنة، فضيلة الدكتور «شوقى علام» مفتى الجمهورية، تأنس لطلته العادية بلا بهرجة ظاهرية ولا افتعال ولا تقعر، تألف حديثه البسيط النابض بالمحبة لعموم الناس، يقدم الإنسانية على ما سواها، وييسر على الناس شئون حياتهم دون تفريط أو إفراط، ما يبعث على البِشر، والغبطة، والسرور..
الدكتور شوقى بهدوء محبب، يُعمِل العقل مصطحباً النص فى تجليه وتنزيله على الواقع، دون انغلاق، أو تفريط، أو إفراط، وعنوانه الدين يسر لا عسر، وعن قول الحبيب (صلى الله عليه وسلم) «إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه».
تلقى اجتهادات «فضيلة مفتى الديار المصرية» وهو اللقب المحبب للدكتور شوقى، قبولاً طيباً، وشيوعاً محبباً، بنبرة هادئة دون زعيق لافت أو تمثيل ممجوج، الرجل يستحيى من الله، ولا يفتى إلا بما يمليه الضمير وفق قواعد شرعية حاكمة، لا يغادرها ولكن يفتح باب الاجتهاد بروية، الباب الذى غلق طويلاً فى وجوه المجتهدين..
فى مواجهة وصم الإسلام بالإرهاب، وحمى الإسلاموفوبيا، يقف عتيداً مذكراً بأنه دين الرحمة، «ومَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ» (الأنبياء ١٠٧)، ويدعو الغرب الذى يخشى الإسلام إلى فهم واقعى لدين قاعدته المعتبرة «ولَا تَسْتَوِى الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِى هِى أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِى حَمِيمٌ» (فصلت ٣٤).
الثابت أن الدكتور شوقى علام لا يتجاوز دوره كمفتٍ، ليس لديه خلط فى الأدوار، مكتف بدوره كقاض، قانع بإسهامه الشرعى والفقهى والعدلى، ويعتبر كابن بار للمشيخة الأزهرية، لدور الأزهر الشريف وهو من علمائه، ويجل الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب وينزله مكانته المستحقة، ويعتبر لعلمه ومقامه وإمامته، ويبجل طائفة من العلماء، وقبلها وبعدها متقبل تماما الخلاف فى الاجتهاد، متمثلاً القاعدة، اختلافهم رحمة، وقول الإمام الشافعى، «قولى صواب يحتمل الخطأ، وقول المخالف خطأ يحتمل الصواب».
عن قرب، وخلال رحلة تليفزيونية طالت لسنوات، فضيلة المفتى لا يضيق بالعلمانيين، ويفقه قولهم، ولا يضيق صدره بصدودهم، ولا يبتدرهم العداء، ومحرم لديه ابتداء التفسيق والتكفير، ذاهباً إلى التفكير والحوار، والبحث عن المشتركات، على أرضية وطنية.
المفتى الجليل نذر علمه لتأسيس ما يسمى بـ«فقه الدولة الوطنية»، واجتهاداته الفقهية جميعاً تصب فى هذا الاتجاه الوطنى المعتبر.
علمًا بأن «فقه الدولة الوطنية» فقه حديث، ندرة هى الاجتهادات فى السياق، ورغم أن الدولة أقدم كثيراً من الجماعات جميعا، ولكن لم تفطن المؤسسة الدينية الرسمية لتأصيل فقه الدولة، وغفلت المرجعيات المعتمدة عن تأصيله واستنباطه واستزراعه، وطناً وعلماً ونشيداً، واستقتلت الجماعات فى مقاومة فقه الدولة، وفكرة الدولة فى أذهان العوام، فنزعت القدسية عن الحدود، وتجاوزت الجماعات الحدود، كل الحدود، وصار الانتماء للوطن محل شك كبير.
الدكتور شوقى علام باجتهاداته المؤصلة على القرآن والسنة وسيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام، يعوض غيبة الاجتهادات الفقهية المؤسسة لفقه الدولة الوطنية، ويرفع فى وجه الجماعات فقهاً مواجهاً لا يخشى فى حق الله لومة لائم.
يناصبونه ( الإخوان والسلفية والجهادية) العداء، ويشنون عليه غارات همجية عبر منابرهم الإلكترونية، ولكنه يتجاهلهم، والتجاهل كما قال طيب الذكر جبران خليل جبران، انتقام راقٍ، صدقة جارية على فقراء الأدب..
مفتى قوى الشكيمة لا يلين، ولا يلقى بالا لتخرصاتهم، ولا يتولى يوم الزحف، ويأنف القعود، وينفر إلى تأصيل وتأسيس فقه الدولة الوطنية، القعود كلفنا خسارة الغالى والنفيس، قعوداً عقوداً تشكل قروناً، سمح لفقه الجماعة أن يسود ويستشرى ويتمدد فى الأرض الخلاء، وفى الفضاء الإلكترونى فقهاً يستهدف الدول تكفيراً، ويوطِّئ للخروج على الحكام، ويكفر المحكومين، ويصمهم بالجاهلية، جاهلية المجتمعات المكون الرئيس لفقه الجماعات تمدداً فى البراح.
مستوجب نفرة المؤسسة الدينية بمدارسها ومؤسساتها على خطى مفتى الجمهورية لملء الفراغ الفقهى الذى احتلته الجماعات بـ«فقه الجماعة» الذى استشرى بين الناس سماً زعافاً أصاب الوطن بالشلل الرعاش.