حمدي رزق يكتب: سبعينية البابا تواضروس
كل سنة وقدسك طيب، وينعم عليك بالسكينة وموفور الصحة. لو سألت البابا تواضروس الثانى فى عيد ميلاده السبعين عن أمنياته، سيجيبك من فوره، أن يجعل هذا البلد آمنًا ويرزق أهله من الثمرات، البابا مفطور على حب مصر وشعبها ويصلى من أجلها، هى عنده أحب البلاد، أغلى اسم فى الوجود.. وعلى الأرض المصرية السلام وبالناس (ناسها) المسرة.
وعن أمنياته الشخصية، سيتحرج كثيرا، البابا رجل حَيِى، من الحَياء، يغلبه الحياءُ، عادة لا يتمنى لنفسه، يتمنى لوطنه وشعب مصر الخير كل الخير، والسعادة لشعب الكنيسة فى وطنهم وبين أهلهم.
أمنية يختزنها البابا لا يفصح عنها إلا للمحبين، أن يعود إلى ديره الذى غادره، يحنّ إلى فرشته البسيطة فى قلايته البعيدة، يمارس حياته الهادئة وطقوسه وصلواته فى السر، البابا مفطور على الرهبنة، والرهبنة توفر سلاما نفسيا يتوق إليه قداسته.. يقينًا، يحن إلى الأيام الخوالى.
وإذا سألته عن العقد الأخير فى حياته- أطال الله فى عمره- عقد البطريركية، بطركا على الكنيسة الأرثوذكسية، أخشى سيلجأ لبيت شعر لأبى العلاء المعرى، يقول: «تَـعَبُ كُـلّها الـحَياةُ فَـما أعْجَـبُ إلا مِـنْ راغبٍ فى ازْدياد».
الأمانة ثقيلة على ظهر متعب، وأمانى شعب الكنيسة معلقة برقبة البابا، وقداسته يجتهد ليرضى ربه وضميره، ورضا الناس من رضاء الرب فى السماء، ومن يحبه ربه يحبب فيه خَلقه، وخَلق كثير من الطيبين، مسيحيين ومسلمين، يحبون البابا تواضروس، لوطنيته، ومحبته، وصلواته، وشكره.. البابا مفطورٌ على الشكر، والشكر عنوانُ الصالحين، والشكر هو قبول ما يأتى من يد الله لنا بغض الطرف عن شكل العطية، وهل توافق مشيئتنا وتحوز استحساننا أم لا (من كتاب فضيلة الشكر/ الأنبا مكاريوس أسقف المنيا).
كنسيًّا، أهل كنيستنا الوطنية أدرى بشعابها، يسمعون صوته، ويعرفهم ويتبعونه فى الخيرات.. ووطنيًّا، فضلًا عن مواقفه المعتبرة، يكفيه مقولة عظيمة صدح بها يوما ولا تزال تتردد فى قلوب محبيه: «وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن». معلوم لكل بابا جلس على كرسى مار مرقس الرسول مأثورات تعمّر طويلا، ومنها هذه من مأثورات قداسته، يؤثرنا بوطنيته النابعة من محبته، من نبع الكنيسة الصافى الذى يرفد نهر النيل بماء عذب.
تصادف سبعينيته عشيرته الأولى فى البطريركية، بابا الإسكندرية وبطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية الـ ١١٨، وهذا فأل طيب، من محاسن الصدف، فعيد البابا فى شهر نوفمبر عيدان، عيد ميلاده وعيد تجليسه، والاحتفاء بقداسته وطنيا فضلا عن كنسيا واجب مستوجب على المحبين، قداسته لم يقدم سوى خير استبطنه، ولم يخشى فى حقٍّ اعتقده وأخلص فى صلواته لوطنه وكنيسته، وعنى برعيته على قدر استطاعته، وحمل الأمانة ويؤديها لأهلها كاملة.
البطريركية ليست نزهة خلوية، بل مسؤولية رعوية روحية أخلاقية وإنسانية، والبابا على معرفتى بقداسته عبر حوارات ولقاءات متصلة إنسانٌ قبل أن يكون بابا، تُحرّكه الإنسانية قبل الواجبات الكنسية.. وهذا ما نحمده لقداسته ونغبطه عليه.