حمدي رزق يكتب.. سلمى حبيبتى!
لإضفاء نوع من الإثارة وبعض البهار الحار لفتح الشهية الوحشية، وقبل أن تجف دماء سلمى، خرجت الأفاعى من جحورها تلتف حول جثمان المغدورة بفحيح كريه: أصله كان بيحبها، حتى شوفوا كاتب اسمها «سلمى حبيبتى» مرتين، مرة على صدره الذى يحوى قلبه المذبوح يرفرف بحروف اسمها، ومرة على ذراعه التى كان يحميها بها من الذئاب المنفردة.
توطئة وتهيئة لتجرع السم ومصادرة القضية لصالح المجرم مبكرًا، وحرف الجريمة عن خطها، قتلها بدافع الحب.. أصلها خانت حبه، ولم تفِ بالجميل.. واللى راعيته رمانى، وماعرفش إيه ذنبى.. غير إنى فى حُبى أخلصت من قلبى! (من كلمات أغنية «الربيع» لطيب الذكر مأمون الشناوى).
طبق الأصل، القاتل حبيب مخلص، والمغدورة خاينة حكّت أنفه وذبحته بالرفض.. وتواليًا، كان بيساعدها، ويساندها، ولكنها.. ولكنها.. ولكنها، ودور صعبانية من قرشانات الفيس، وتنويعات «فقه القُفة» من إصدارات «جماعة الشوال»، واِلبسى قُفة يا بت وإنتِ خارجه من بيتك (بالمناسبة سلمى محجبة)!!.
وحدث ما حذرنا منه، وتكررت جريمة «المنصورة» بنفس السيناريو الوحشى فى «الزقازيق»، وقتلها قاتل موتور بالسكين فى عرض الطريق، ١٧ طعنة نافذة، فلقيت ربها من فورها.. بأى ذنب قتلت؟!.
ويلٌ للمحرضين على القتل، لعلهم مغتبطين، ويغردون، ويهللون للقاتل، ويستبيحون عرض الذبيحة، ويتلذذون بأكل لحم الميتة!.
ولاحقًا سيجمعون الملايين لدفع الدية وأتعاب المحاماة من داخل وخارج الحدود، من الجزر اليونانية، ويكلفون أشهر المحامين للدفاع عن القاتل.. وسيتطوع نفر منهم دفاعا بدم بارد، المخرج عاوز كده.
فُجَّار، جمع فاجِر، من الفُجْر.. وما يقدر على الموالسة سوى قادر أو فاجر.. قادر على الكذب على الضحية، وفاجر فى التماس الأعذار للقاتل، وافتكاس عناوين مضللة: الحب، الغدر، الخيانة، ومعذور كان بيحبها، ومقدرش على بعدها، فذبحها انتقاما.. يقتلوا القتيل ويمشوا فى جنازته.
كل من أدان «نيرة» بحرف يده، بكل حروف اللغة يداه غارقة فى دماء «سلمى»، وكل من جمع جنيها لدفع الدية قاتل مستتر، وكل من حرّض الذئاب المطلوقة فى الشوارع على الفتيات فى فيديوهات يتحمل وزر سفك الدماء!.
حالة السعار الإلكترونى التى صاحبت محاكمة «نيرة»، واستهدافها فى سمعتها وعرضها استباحة، وطأت لطعن سلمى، كل مُعْتَدٍ أَثِيم يحمل جثة سلمى فوق كتفيه، دم سلمى فى رقبة كل هؤلاء الذين استباحوا عرض البنات.
ما رأيكم شاه حكمكم.. ما قولك يا دكتور القُفة.. ما قولكم يا جماعة الشوال.. هل بلغكم نبأ سلمى.. هل توضأتم وصليتم واستعذتم من الشيطان الرجيم، نمتم جيدا مرتاحى البال.. هل استطعمتم الطعام.. هل اقشعرت أبدانكم.. هل زرفت أعينكم دمعا مالحا.. هل قضت مضاجعكم.. هلا نظرتم فى مرآة أنفسكم؟!.. تبا لكم ولأفعالكم.
المحاكمة الناجزة ضرورة مستوجبة، والقصاص العاجل يوفر ردعًا، ولو موقتًا.. ولكن تكرار الفعل، القتل نهارا وفى عرض الطريق، مقلق ومخيف. أخشى يتحول إلى ظاهرة، ومحتم دراستها والوقوف على أسبابها ودوافعها.
مطلوب تجفيف منابع العنف، ونزع السكاكين من أيدى القتلة، تحديدا المراهقين.. هؤلاء جبلوا على ثقافة العنف والقتل التى تحيطنا بحزام من نار موقدة.
منسوب العنف كمنسوب الصرف الصحى يستوجب تدخلا علميا لخفضه، وهذا يتطلب عملًا جماعيًا مجتمعيًا مستدامًا، تتوفر عليه مجموعات تخصصية فى علوم النفس والاجتماع.. ليس بعيدًا عن «الحوار الوطنى».