اركب التريند .. ولا يهمك بقلم: أشرف غريب
فى زمن الإنترنت والسوشيال ميديا أصبح كل شىء مباح من أجل ركوب التريند وتحقيق أعلى نسبة تصفح أو مشاهدة عبر يوتيوب .. افعل ما شئت أو ما استطعت كى تجذب متابعيك حتى ولو على جثة الحقيقة ، امتهن نفسك أحيانا ، زيف الحقائق دائما أو حتى اختلقها من جذورها ، تعمد الجور على حقوق الملكية الفكرية للآخرين لا مانع ، كل هذا ليس مهما ، فقط المهم أن يتحول ذلك إلى حفنة ” سينتات ” تأتيك من الشبكة العنكبوتية سرعان ما تتحول إلى كثير من الدولارات تنقلك من خانة الضنك والعوز إلى مرتبة ميسورى الحال ، ومن مرحلة الجرى وراء المواصلات العامة وطوابير العيش إلى منزلة راكبى السيارات الفارهة وأصحاب الفيلل الفاخرة , وكلما ركزت الفضائيات وبرامج التوك شو على هؤلاء واستضافتهم على شاشاتها من قبيل بطل ملحمة شيماء أو أحمد وزينب أو السيدة المسنة التى تاجر بها ابنها حتى توفاها الله فحزنت عليها مصر كلها ( وبرضه ركب التريند ) أو تلك التى تطبخ فى غرفة النوم ، تحول هؤلاء إلى نماذج ناجحة وتجارب ملهمة تدفع الكثيرين إلى الاقتداء بها واللهاث وراء تقليدها .. إنه حقا زمن التريند .
وحين تسأل أحد هؤلاء النجوم الجدد عن مهنته يقول لك بكل فخر واعتزاز : ” أنا يوتيوبر ” أنعم وأكرم أيها اليوتيوبر ، وما هو دخلك من هذه المهنة العظيمة ؟ لا . الدخل كبير والحمد لله .. إذن مرحبا بك عزيزى اليوتيوبر ، أهلا بكل متسولى اللايك والشير ومستجدى تفعيل زر الجرس من أجل أن يصلك كل جديد ، أهلا بمستبيحى كل شىء وأى شىء سعيا وراء دولارات جوجال ويوتيوب .
وطبعا من هم أفضل من مشاهير أهل الفن كى يسهل استباحة حياتهم دون محاسب أو رادع ، الأحياء منهم والأموات على السواء ، فتجد مثلا من يدعى بكل ثقة العلم ببواطن أمور شيرين عبد الوهاب ومن الذى وقف وراء حلق شعرها ” على الزيرو ” أو التى تحدثك بيقين مفرط عن غراميات عبد الحليم حافظ وعلاقات سعاد حسنى الخفية ، ويا سيدى على من حضر تلاسن أديب نوبل نجيب محفوظ مع فيفى عبده حين رثت الراقصة المعروفة لحال سيارته المتواضعة مقارنة بسيارتها الفخمة ، فقالت له : ” شفت الأدب عمل فيك أيه ؟” فرد عليها صاحب المقام الرفيع قائلا لها : ” وانتى شفتى قلة الأدب عملت فيكى ايه؟” أو هذا الذى خرج علينا يحكى لنا عن خيانات محمد فوزى وفضائح رشدى أباظة وديانة هذا أو ذاك ، وأشهد أنا الذى أعمل فى مجال التأريخ للحياة الفنية منذ أكثر من خمسة وثلاثين عاما أن كل هذا الكلام هراء لا يقف على قدمين أو يمت للحقيقة بصلة .
وألف أسف على من يمتهن هذه المهنة كى يمتهن سمعة أسماء كبيرة كانت عنوانا للمتعة والعطاء ، فإذا بهذا اليوتيوبر أو ذاك يغتال بدم بارد ذلك التاريخ العظيم لأفذاذ الفن المصرى .