عالم الفن

“الرسم على الجدران .. لغة الحضارة التي لا تصدأ”

“الرسم على الجدران .. لغة الحضارة التي لا تصدأ”

كتب/ محمد عبداللاه

قديماً كتبنا وسطرنا التاريخ، ومن يعرف التاريخ سيرى أن الرسم على الجدران، أورثنا حضارة تجاوزت الـ7 آلاف عام، ومنذ أيام عاد الفن الجداري من جديد في مهد الحضارة المصرية، وبالأخص في مدينة أسوان، على يد الزوجين المبدعين، الفنان علي عبدالفتاح وزوجته الفنانة مها جميل، ليبدعوا بأناملهم الساحرة في الرسم على جدران 3 عمارات، ليزينوا واجهة المدينة بهذا الإبداع.

ولعل البداية الحقيقية لفن الرسم على الجدران كانت على ضفاف النيل، حيث سطر المصري القديم تاريخه وأمجاده على جدران المعابد والمقابر في طيبة وأبيدوس وسقارة، فسجل لنا تفاصيل حياته اليومية، وطقوسه الدينية، وانتصاراته العسكرية، مستخدماً ألواناً ما زالت تحتفظ ببريقها حتى اليوم، رغم مرور آلاف السنين. لم يكن الرسم حينها مجرد زينة، بل كان وثيقة حيّة تُخبرنا من هم، وكيف عاشوا، وما آمنوا به.

ومع مرور العصور، لم يخفت وهج الجدران في حضارتنا. ففي ظل الحضارة الإسلامية، ازدهر هذا الفن بأسلوب مغاير؛ حيث اتخذ من الزخارف الهندسية والخط العربي والمقرنصات لغة بصرية راقية، استُخدمت في تزيين جدران المساجد والقصور والمدارس. ولم يكن ذلك ترفاً فنياً فحسب، بل انعكاساً لروح حضارية تؤمن بأن الجمال جزء من العبادة والمعرفة، وأن للخط زخماً روحياً يتجاوز المعنى الظاهري للكلمات.

وها هو التاريخ يعيد نفسه بأسلوب عصري يحمل الروح القديمة والنفس المعاصر، فيجد أبناء هذا الجيل في الجدران مساحة للتعبير، للهوية، وللفن المتحرر من القيود. وما فعله الزوجان في أسوان ليس إلا امتداداً لتاريخ طويل من الحب للجدران، للون، وللحكاية التي تُحكى دون صوت.

وهكذا… لا يعود الرسم على الجدران مجرد فن بصري، بل جسراً بين الأمس واليوم، بين الفرعونية والإسلامية والمعاصرة، شاهداً على أن الجدران، مهما اختلفت العصور، ستظل تنبض بالحكايات التي ترويها أنامل مبدعة لا تعرف الصمت.

مايسة عبد الحميد

نائب رئيس مجلس إدارة الموقع
زر الذهاب إلى الأعلى