الشفاء الذاتي للنفس … بقلم: د. عبير منطاش
مع تقدم العصر وسرعة وتيرة الحياة أصبحنا جميعا نلهث وراء مصالحنا وفي هذه المرحلة من الانشغال بالسعي من أجل لقمة العيش وتلبية متطلبات الحياة..
التي أصبحت لاترحم أحد سقطت منا أهمية الجانب الروحي والنفسي في الحياة مع أن في الحقيقة كل مرض جسدي وراءه مرض نفسي قد أهملناه وتغافلنا عنه.
بسبب النظر له على أنه شيء مشين أو يعيب صاحبه أو لعدم أدراج أن لدينا مشكلة في الأساس.
مع أني أتفق مع مقولة أن جميع الناس مرضى نفسانيين..فنحن جميعا نتعرض لتجارب مؤلمة وخيبات من أشخاص مقربين أو نفقد شخص غالي علينا، أو نتعرض لموقف يصيبنا بصدمة وغيرها من المواقف التي ترسخ في الذاكرة ويكون لها أثر سلبي سواء حدثت هذه المواقف في الصغر أم في الكبر.
لكن الفرق بين شخص وشخص آخر هو طريقة تعاملة مع هذه الخيبات أو التجارب المؤلمة أو النقص في جوانب الشخصية هو من يفرق بين الإنسان السوي والإنسان المريض.
كلنا مرضى لكن بنسب قد تزيد أو تنقص في مراحل العمر ومع زيادة أثر ذلك المرض النفسي قد يتحول الأمر بعد ذلك لمرض عضوي.
على سبيل المثال مريض الاكتئاب قد يعاني من آلام في جسده أو في المعدة وغيرها من الأعراض الجسدية التي هى في الأساس عرض لمرض نفسي وليس جسدي، في حين أننا قد نستطيع تلاشي كل ذلك لو أدركنا وإستوعبنا إشارات أجسامنا مبكرا
قبل فوات الأوان فكم من شخص يذهب لأكثر من طبيب يعاني من آلام جسدية وبعد الكشف أو التحاليل تكون النتيجة سلبية ويحتار الأطباء..
في حين أن كل هذه الآلام نتيجة أنين النفس التي تعطيك إنذارات وأنت تتجاهلها ولا ألوم على هذا الشخص لأن من أصعب المواجهات هي مواجهة النفس.
فالنفس عندما تكون عدوة لك تكون عدو شرس قاسي ذكي يهاجمك بكل ضراوة لأنها نفسك تعرف خباياك أكثر من أي أحد ولا يمكنك التحايل عليها.
لكنك وحدك من يستطيع ترويضها لتنصاع لك فعندما تذهب للطبيب النفسي ما يفعله هو أن يسمعك ويضع يده على المشكلة
ويواجهك بها، الحرب حربك أنت والمعركة معركتك وليست معركة الطبيب، خلقك الله قوي الإرادة وأعطاك كل الإرشادات لتنتصر على نفسك
وأرسل لك الرسل والأنبياء وانزل الكتب السماوية والشرائع لسعادتك أيها الإنسان، فلما أدرت ظهرك لكل هذا، وبدأت تبحث عن سعادتك بعيدا عن فطرتك التي فطرك الله عليها.
فليست السعادة وراحة البال في الأشياء الباهظة الثمن نفوسنا غالية لا تقدر بأموال ولا سيارات ولا مجوهرات نحن بشر
من صنع الله خلقنا وأعطانا من روحه لماذا نصبح عبيد للمال أو للرغبات وهوى النفس ؟؟ذلك من يجعل الإنسان ضعيف حتى عن مواجهة نفسه ومعرفة ما يدور
بداخلها وكيف لا وقد خلقها الله على الفطرة وأنت أيها الإنسان من تجاهلت وبعدت عن فطرتك ولا أجد أقوي من كلام الله في هذه الآية الكريمة..
يقول الإمام ابن كثير في تفسيره: “(من أَعرَض عن ذكري فإنّ له معيشة ضَنْكًا )أَي خالف أمري وما أنزَلته على رسولي؛ أَعرَض عنه وتناساه وأَخذ من غيره هداه، فإنّ له معيشة ضَنْكًا، أَي ضنك في الدنيا فلا طمأنينة له ولا انشراح لصدره، بل صدره ضيق حرج لضلاله، وإن تنعم ظاهره ولبس ما شاء وأكل ما شاء وسكن حيث شاء.
أليس هذا حالنا الآن نلهث ونجري ليل نهار وراء كل ما هو غالي في ثمنه رخيص في قيمته ونترك الغالي ولا نعرف قيمته لأننا تعودنا على وجوده ولا نقدره إلا عند الحرمان منه.
خلاصة القول:
شفائك أنت القادر عليه أنت أصل الحكاية فيك البداية والنهاية فيك سر الوجود صنع الملك المعبود خليفة الله في أرضه أنت سر الحياة خلق الله الكون من أجلك
وسخر لك كل شيء لتعمر الأرض و ليس لتهلك الأرض وتهلك نفسك.
وكما قال (على بن أبى طالب)
دَواؤُكَ فيكَ وَما تُبصِرُ
وَدَاؤُكَ مِنكَ وَما تَشعُرُ
أَتَزعُمُ أَنَّكَ جُرمٌ صَغير
وَفيكَ اِنطَوى العالَمُ الأَكبَرُ
فَأَنتَ الكِتابُ المُبينُ الَّذي
بِأَحرُفِهِ يَظهَرُ المُضَمَرُ
وَما حاجَةٌ لَكَ مِن خارِجٍ
وَفِكرُكَ فيكَ وَما تُصدِرُ
واجهه نفسك واجهه مشاكلك ولا تهرب منها لأنها ستظل تلاحقك واجهها بالإيمان والاستعانة بالله فالذي خلقها يعرفها أكثر
منك وأن عجزت عن المواجهة بمفردك ألجأ لمن يساعدك ولا تعاند نفسك، فليس عيبا أن نطلب المساعدة أفضل بكثير أن ندفن رؤسنا في الرمال ونعاند حتى أنفسنا.