مقالات

العارف بالله طلعت يكتب: معجزة الإسراء والمعراج 

العارف بالله طلعت يكتب: معجزة الإسراء والمعراج 

العارف بالله طلعت يكتب: معجزة الإسراء والمعراج 
العارف بالله طلعت

 

كانت رحلة الإسراء والمعراج قبل عام من الهجرة .. إيذانا ببدء مرحلة جديدة من مراحل الدعوة الإسلامية. وانطلاقا بها من جو التطبيق والمحاصرة والاضطهاد في مكة إلى أفاق أرحب. وأوسع في أرض الله تحقيقا لعالمية الإسلام دين الله الخالد .وكانت صلاة الرسول بالأنبياء في بيت المقدس مبايعة له. وإعلانا لهيمنة الإسلام على هذه البقاع الطاهرة التي يدنسها اليهود الآن .

ثم يصعد الرسول إلى سدرة المنتهى ليشهد أعظم تكريم إلهي شهده بشر. حادث الإسراء والمعراج وقع بعد أن كان الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم قد دفعوا ثمنا باهظا فى سبيل الدعوة. وبدأ واضحا أن كل الوسائل البشرية أصبحت عاجزة أمام تكالب اليهود والوثنية فى الجزيرة العربية وخارجها. وهي المرحلة التي جسدتها كلمات الرسول صلى الله عليه وسلم بعد عودته من الطائف. ولم يجد من أهل الطائف إلا الجحود والنكران لدعوته. فاتجه بالدعاء إلى الله عز وجل قائلا .. 

( اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين .. الدنيا المستضعفين وأنت ربى .. إلى من تكلني .. إلى بعيد يتجهمني أم إلي عدو ملكته أمري إن لم يكن بك على غضب فلا أبالى. ولكن عافيتك أوسع لي .. أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات .. وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بى غضبك .. أو يحل على سخطك .. لك العتبى حتى ترضى. ولا حول ولا قوة إلا بك ) 

وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم يطلب من الله عز وجل الرحمات. وأن يتدخل لعونه بعد أن بذل كل شئ وناله من الأذى الكثير هو وأصحابه وعاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة حزين النفس لأنه فقد عمه أبو طالب. وزوجته السيدة خديجة رضي الله عنها. ومن هنا كانت المكافأة الإلهية للنبي صلى الله عليه وسلم فقد أرسل لرسوله رحمتين معا الأولى تتمثل فى مخاطبة الجن لرسول الله صلى الله عليه وسلم واستماعهم قرآنا عجبا يهدى إلى الرشد

كما حكت سورة الجن فى قوله تعالى ( قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدى إلى الرشد فأمنا به ولن نشرك بربنا أحدا ) . فبذلك أرسل الله سبحانه وتعالى لرسوله جنسا جديدا غير هؤلاء البشر العاقين الجاحدين. ثم جاءت الرحمة الثانية ممثلة فى حادث الإسراء والمعراج لتريه جنسا آخر. وهو جنس الملائكة من جانب. وأيضا ليرى أخوانه الأنبياء فى الدعوة منذ آدم عليه السلام. ليعلم أن ما أصابه ما كان بدعا فى الرسل. وإنما هي سنة الله وضريبة الدعوات تفرض على الجميع ليثبت الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم. وليقول له ( ولو شاء ربك لآمن من فى الأرض كلهم جميعا ) ولكنها السنة الضرورية لأصحاب الدعوات . 

فجاء حادث الإسراء والمعراج حاملا قيما كثيرة فكأنه الميلاد الشرعي لأمة الإيمان والدعوة الباقية فى التاريخ إلى يوم القيامة نأخذ هذا من إمامة الرسول صلى الله عليه وسلم لكل الأنبياء فى بيت المقدس فكأنهم فوضوه لإمامة الدنيا. وحمل راية الإسلام. والإيمان فيما بقى من التاريخ. وكان للجمع بين المسجد الحرام بمكة والمسجد الأقصى مؤشر أكبر على مسئولية أصحاب الإيمان الحق والإسلام نحو بيوت الله فى الأرض .

فعليهم أن يبذلوا كل شئ فى سبيل أن تبقى محاضن للإيمان الحق الذي زرعه آدم ونوح وإبراهيم. وجميع الرسل حتى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وصلاة الأنبياء خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم تعنى أن دين الله واحد .. وأن آدم ونوحا وإبراهيم وجميع الرسل كانوا على الإسلام. ولقد فرض المولى عز وجل الصلاة على أمة محمد صلى الله عليه وسلم في رحلة الإسراء والمعراج والصلاة هي رأس مال المسلم وجميع أعماله لا تقبل منه إلا بعد قبول صلاته وهذا يدل على عظمة شأن الصلاة ومكانتها. والصلاة هي العبادة الوحيدة التي لا يتعذر على أى مسلم أداؤها فإن لم يستطع أداءها قائما صلى جالسا أو قاعدا أو مضطجعا أو حتى بالإشارة أو برمشه عين .

والصلاة حين تؤدى في أوقاتها المحددة تعود المسلم على النظام في كافة أمور حياته والمحافظة على المواعيد والدقة. وهنا يجب أن نتذكر ما شاهده رسولنا صلى الله عليه وسلم فى رحلته فقد أتى على قوم تدق رؤوسهم بالصخر كلما أذعنت عادت كما كانت لا يفتر من ذلك شئ .. فقال : ما هذا يا أخي جبريل : قال هؤلاء هم الذين تتثاقل رؤوسهم عن الصلاة المكتوبة .

ومن هنا ندرك جزاء من يتهاون ويتكاسل في أداء الصلاة. وفي أوقاتها فإن صلاته سوف تحول بينه وبين ارتكاب المعاصي وتجعله يتمسك بالفضيلة ويتجنب الرذيلة فهي بما تتضمنه من الذكر والقراءة والركوع والسجود ومظاهر الخضوع لله تجعل المسلم يخشى المولى ويبتعد عن ارتكاب المعاصي والآثام يقول سبحانه : ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ) وإذا ابتعد كل فرد فى مجتمعنا عن المعاصي والتزم الصدق والأمانة والعفو والتسامح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحب الإحسان والإيثار والتسابق فعل الخيرات والخوف من المولى فى السر والعلانية فسوف تسود المحبة والأمان المجتمع وسوف تتسم سلوكيات أفراده بالرحمة والمودة وتختفي الكراهية والحقد والظلم والعنف .

ولقد أشار المولى سبحانه لأهمية صلاة الجماعة تلك التي توحد المسلمين وتؤلف بين قلوبهم وذلك حين جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بالأنبياء في المسجد الأقصى جماعة كما أظهر تكريمه للمسجد والذي هو أحب بقاع الأرض إليه عز وجل حيث كانت بداية رحلة الإسراء والمعراج من المسجد في التاريخ الإسلامي كان دار عبادة ورمز أمة ومدرسة علم وقبة شورى والقيادة فى كل زمان ومكان .

ولما وصل النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس اجتمع له الأنبياء جميعا أجسامنا وأرواحنا فصلى بهم صلاة مخصوصة ألهمه الله بها وكانت هذه الصلاة ملتقى لكل الأنبياء والرسل لتوضيح وحدة الغاية والهدف .. ثم وقف الأنبياء يقدمون الثناء لله عز وجل .. فأثنى كل واحد منهم بما أعطاه الله . حتى جاء الدور على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأثنى على ربه .. بما من عليه وفضله .. فقال سيدنا إبراهيم عليه السلام موجها كلامه إلى الأنبياء والرسل بهذا فضلكم محمد . وفى الرحلة السماوية أعد الله لسيدنا محمد مجموعة من الأنبياء ليكونوا فى شرف استقباله واختص هؤلاء فقط دون غيرهم لما بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من مشابهات فى تبليغ الدعوة إلى الناس . . ثم عاد النبي محمد صلى الله عليه وسلم بعد لقاء ربه بهدية عظيمة وهي الصلاة . فالصلاة هي العامل المشترك فى كل الديانات السابقة ..

 

نهى مرسي

نائب رئيس تحرير الموقع
شاهد ايضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى