إسكندرية … الزمن الجميل
بقلم: عمرو نوار
يحمل كل مواطن مصري جنسيتين .. جنسيته المصرية ثم بطاقة ” الحب الإسكندراني” الأبدية … والحقيقة ان مواليد مابعد ١٩٨٠ ربما سيقرأوا هذا المقال كانه إحدى قصص الخيال العلمي .. يتحدث عن مدينة أخرى فى قارة أخرى … “ولكن أحتاج منك قبل ان تقرأ ان تغمض عينيك قليلًا لترى .. عد إلى ظهر المقعد وأغلق عينيك وتخيل إنك فى هذا المكان قبل ٢٤٠٠ عام … نحن الان فى عام ٣٣٢ ق.م حيث وصل الإسكندر الأكبر إلى شواطئ “راقودة” حيث يعيش بعض الصيادين على مهنة صيد السمك ويقطنون فى بعض العشش المنتشرة على البحر حيث محل رزقهم وعيشتهم .. الإسكندر كان يعبر هذا المكان فى طريقه إلى العاصمة المصرية “منف”.. لكن شيئًا ما أستوقفه ليتأمل هذا المشهد العظيم .. أعجبه تحصنها شمالا وجنوبا وموقعها العالمي الذي يمكن ان يكون مركزًا للتجارة الدولية.. هاهو الاسكندر يتوقف ويأمر مهندسه المفضل “دينوقراطيس” بإنشاء مدينة ستصبح بعد عدة سنوات أكبر مدينة فى حوض البحر المتوسط .. كانت تلك المدينة هي الإسكندرية… جاءها عمرو بن العاص قبل الفتح الإسلامي بستة عشر عاما وتحديدًا عام ٤ هجرية حيث رأى نساء الإسكندرية وهن يستعملن الأرض كمرايا للتزين
حيث كانت أرضية تلك المدينة كلها من الرخام الحر .. رأى أعمدة الذهب التي تزين الميادين .. حدثوك كثيرًا عن مكتبتها العظيمة وفنانيها العظماء … حدثوك عن كليوباترا وانطونيوس ويوليوس قيصر … ليس من عظيم لم تطأ قدماه أرض تلك المدينة ذات الألفين وخمسمائة عام … ثم خلف من بعدهم خلف… أضاعوا تلك البهجة والعظمة ..مسئولين لم تصلهم رسائل البحر … إليك هذا المشهد المهيب حتى أوائل السبعينات…تقترب السيارة من ذلك الشارع المقدس الذي يعرفه كل أبناء القاهرة القادمين إلى الإسكندرية والذي ما ان تلمح فى نهايته اللون الأزرق حتى تشعر إنك وصلت فعلًا إلى الإسكندرية.. كان مشهدا يهز الوجدان لأبناء القاهرة الكبرى …
ننبهر بذلك اللون البرتقالي الذي يغطى سيارات الأجرة وهي تغدو وتروح على الكورنيش .. الحنطور .. بائع الفريسكا … كل شئ طازج ومنعش ومبهج … فى المندرة كان يقبع ذلك القصر الذى بناه مالكه اليوناني على شكل سفينة محتضنا أمامه كبائن المندرة وشاطئها الأسطوري … هذا المشهد الذي لم يعد يمكنك ان تراه الا فى فيلمين وثقا ذلك المكان فيلم ( الحياة حلوة) وفيلم ( لوكاندة المندرة) … ثم فى غفله من التاريخ أمتدت اليد العابثة لتحطم كل ذلك التراث وتلك المعالم لتحيل الكورنيش العظيم إلى” برج” وتحته “سيخ شاورما” و”شيشة تفاحتين” هذا هو كل ماتبقى من تراث زمن الإسكندرية الجميل .. من فعل هذا ظن فى نفسه انه بذلك ينهض بالتطوير السياحي ومستلزمات ومتطلبات العصر وقد اخطأ فى هذا كل الخطأ…. ورغم كل شئ سيبقى لهذه المدينة العظيمة سحرها وعبقها الأبدي .. مع رجاء مشفوع بالأمل إلى الإدارة الحالية ممثلة في محافظها الهمام ان تحافظ على ماتبقى وان تمنع منعًا باتًا هدم الفلل والمعالم التاريخية لتبقى إسكندرية الزمن الجميل وفي عيدها القومي تعظيم سلام إلى كل يد تعمل فى محافظة الإسكندرية لتعيد لنا تاريخها الذهبي عروسًا أبديًا ودرة شواطئ البحر المتوسط .