مقالات

حمدي رزق يكتب: أعلى نسبة مشاهدة

حمدي رزق يكتب: أعلى نسبة مشاهدة

حمدي رزق يكتب: أعلى نسبة مشاهدة
حمدي رزق

‏‎وأحداث المسلسل أعلاه، عن قصة حقيقية، بطلتها فتاة من عائلة بسيطة، مهووسة بموقع الـ«تيك توك»، تواجه، وشقيقتها، العديد من المواقف، دراما شبابية مشوقة لا تخلو من طرافة.

حذق صناع الدراما الرمضانية لافت، لا يخلو مسلسل من تناول جاد لانعكاسات وسائل التواصل الاجتماعى (السالبة) على سلوكيات الشباب، وما تخلفه من انهيارات أسرية.

الوهم الافتراضى فتح على الواقع المعيش، الافتراضى مهيمن مسيطر تمامًا على مجريات الأحداث، وكأن الحالة (الحارة المصرية) كما تعكسها المسلسلات باتت مرتهنة بالاستخدام المفرط للجهاز السحرى (المحمول)، «يخرب بيت المحمول ع اللى اخترعه».. والجملة على لسان الفنان القدير «يحيى الفخرانى» فى مسلسل «عتبات البهجة».

التفاتة صناع الدراما إلى التفاعلات المجتمعية المرتهنة بـ«السوشيال ميديا» و«التريند» بمعنى رائج ومنتشر، التريند «حديث اللحظة» فى دراما رمضان.

التريند جنن البلد، ابتزاز، تهديد، تحرش، تنمر، صورة «إذ فجأة» تترجم تريند فى ثوانى، تغشى الفضاء الإلكترونى، تدربك الدنيا، يعلو الصراخ، ومآسٍ أسرية مروعة، صور مؤلمة منها فى مسلسلات رمضان.

لا أزعم عقلًا، ولا أدعى حكمة، ولكن عقلى شت من واقع معيش تجسده المسلسلات يتلهى بالتريند، «منه لله اللى اخترع الفيس»، وأدعى من قلبى على اللى اخترع تويتر وإنستجرام، ومنه لأحكم الحاكمين اللى دل البنات على غرف الشات، وزاد وغطى التيك توك، وما أدراك ما التوك توك الإلكترونى، والغلطة الأخيرة من عندياتى لم ترد فى حوار المسلسلات.

ناس خبيثة، قدروا يسرقوا دماغ الشباب فى غفلة، الناس تنام وتصحى على فيديوهات فى الغالب خارجة (خارج السياق المجتمعى)، للأسف باتت رائجة بين العامة، وارفع وشير وأنا أشير، ونقضيها تشيير وسلامتك يا دماغى!!

الدراما تقول حكمة مؤداها السوس الإلكترونى ينخر فى عضم البلد، ما يستأهل وقفة من الحادبين على سلامة البنيان (البنية الأخلاقية الأساسية)، الفضاء الوطنى فى شغل عما هو مصيرى، الناس تدور فى فلك مغاير تمامًا، راكبة التريند وطايرة فى الهوا شاشى.

إزاء فضاء مجتمعى فارغ تمامًا من الهم الوطنى العام، متخم ومنشغل بقضايا هامشية وهمية تستنفد «الوقود الحيوى» لهذا الوطن، السوس الإلكترونى يعجزنا عن إدراك ما يجرى، ويلفتنا عن قضايا الوطن المصيرية.

الشغف الإلكترونى بات مرضيًا، إدمان إلكترونى، «كل واحد ماسك محمول يصور نفسه ويصور غيره»، (والجملة على لسان الكبيرة «إنعام سالوسة» أم فتحى، من نجمات مسلسل أعلى نسبة مشاهدة).

من ذا الذى يستحضر العفاريت التى تسكن الفضاء الإلكترونى، من يرهن حاضرنا، ويشغلنا عن مستقبلنا، من ذا الذى يصطنع التريند ويسوقه ساخنًا بطعم البهار الحار، من يفتش فى الفناء الخلفى للأسرة المصرية بحثًا عن صورة شاذة يتلذذ بتفاصيلها شذاذ الآفاق، ويتلهى بها العوام فى الطرقات، من يحرفنا عن جادة الطريق، من يُمسك بناصية الفضاء الإلكترونى فيذهب بنا إلى عوالم خفية.

التريند أكل عقل البلد، تحس البلد راكبها عفريت، معفرة، كل يوم ينفث انتكاسة من منخاره الفظيع، تتجسد معارك عبثية، وتريندات وهمية، وحكايات للتسلية وتزجية وقت الفراغ، ولت وعجن وفطائر محلاة بقشدة مخفوقة، تحس البلد كلها فتحت على المزاريطة مسقط رأس الكبير أوى.

 

 

 

 

 

 

نهى مرسي

نائب رئيس تحرير الموقع
زر الذهاب إلى الأعلى