حمدي رزق يكتب: الإرادة الإفريقية الغائبة
ما من لقاء يجمع مصر بالأشقاء الأفارقة، إلا وكان سد النهضة حاضرًا، مع تفهم كامل لمطالب مصر المشروعة في اتفاق قانونى ملزم ومستدام يؤمِّن حقوق مصر المائية، التي نصت عليها الاتفاقيات الدولية في القرن العشرين.
وعلى بُعد شهور من الملء الرابع في فصل الصيف المقبل، يظل الموقف الإثيوبى من المطلب المصرى يراوح مكانه في تسييد نظرية الأمر الواقع، باعتبار السد بات واقعًا بحجمه الهائل، وارتفاعه الذي يحجز المياه عاليًا، وعلى المتضرر اللجوء إلى مجلس الأمن!.
مصر التي صبرت طويلًا على الأذى المجانى لم تترك بابًا إلا طرقته بحثًا عن حلول سلمية دبلوماسية للقضية التي تقضّ مضاجع المصريين، وتستبطن سياسة النفَس الطويل، ولكن كما يقولون للصبر حدود، وما ضاع حقٌ وراءَه مُطالِب.
«لقد طفح الكيل» «وبلغ السيل الزُّبَى» حتى «لم يبقَ في قوس الصبر منزع»، ثلاثة أقوال درج العرب العاربة على التلفّظ بها عند نفاد الصبر أو تفاقم الأمور إلى حد لا يمكن السكوت عنه أو الصبر عليه.
لسان الخارجية المصرية يلخص الوضع الراهن (البائس) في متوالية بيانات تصدر تباعًا، وخلاصته أن هناك جمودًا بطبيعة الحال الآن في الإطار الرسمى التفاوضى لسد النهضة، صحيح هناك محاولات من أطراف دولية وإفريقية في بعض الأحيان للمساعدة، وتحريك المياه الراكدة بملف سد النهضة، لكن لا يمكن القول بوجود تحرك ملحوظ أو يستحق الانتباه!!.
الموقف المصرى الثابت تحدث به الرئيس قاطعًا: «محدش هيقرب من مياه مصر.. ونتحدث بالدبلوماسية وبطول البال والصبر». الدبلوماسية المصرية لا تقطع وصلًا ولا تهمل حرفًا، وتلفت العالم إلى الجمود الذي يغشى قضية السد، صحيح لم ينفد صبر مصر بعد، ولن ينفد، حِبال الصبر طويلة، ولكن الجمود يترجم قعود الاتحاد الإفريقى المكلف دوليًّا بتوفير الحلول السلمية القانونية وفق المعاهدات الدولية لقضية السد.
ما نسميه في العنوان أعلاه الإرادة الإفريقية الغائبة، مثل الفريضة الغائبة، وتترجم غيبة هذه القضية المصرية الوجودية عن أجندة الاتحاد الإفريقى، الذي يغمض العين شتاء عن قضية الصيف، يسمونه «البيات الشتوى»، وهى حالة تستولى على بعض الكائنات الحية فتقعد عن النشاط الحيوى.
أخشى أن نظام «آبى أحمد» سادر في غَيّه، يذهب إلى الخرطوم أخيرًا، ليتبضع تفاهمات شكلية للاستهلاك العالمى والمحلى هروبًا من استحقاقات مستحقة في قضية السد الإثيوبى، للأسف اسْتَمْرأ الكَيْد والمكايدة السياسية، وشق الصف المصرى السودانى بوعود مكذوبة، يلفت الانتباه عن القضية الأساسية، حقوق مصر والسودان القانونية والتاريخية والعادلة في مياه النيل الأزرق.
مصر تعتصم بالصبر على البلاء، وتجتهد في جبل الاتحاد الإفريقى لتولى مسؤولياته التاريخية وواجباته في حفظ السلم والأمن داخل القارة وبين دولها، ومصر والسودان وإثيوبيا الثالوث المؤسِّس لهذا التجمع الإفريقى العريق.
وإذا لم ينهض الاتحاد الإفريقى إلى توفير مناخ جيد لطاولة مفاوضات عاجلة في ظل إجماع دولى وإفريقى على ضرورة الحل السلمى وعبر المفاوضات، فمتى يستفيق إلى واحدة من القضايا التي تؤرق القارة بأسرها.
ولديهم موقف مصرى معتبر يسيد التفاوض عبر آليات الاتحاد عما عداه، ويقابل السيئة بالحسنة، ولا يكايد ولا يمارى في حق الشعب الإثيوبى في التنمية، ولكن ليس على حساب ماء الحياة للمصريين.