مقالات

حمدي رزق يكتب: ما بين الإمام والبابا

حمدي رزق يكتب: ما بين الإمام والبابا

حمدي رزق يكتب: ما بين الإمام والبابا
حمدي رزق

وعاد الإمام الأكبر، الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، بسلامة الله إلى أرض الوطن، بعد رحلة إلى ألمانيا لإجراء بعض الفحوص الطبية، وسوف يباشر الإمام الأكبر، شيخ الأزهر، عمله بداية من الأسبوع القادم.

هذا يفسر غيبة الإمام بـ«شخصه» عن واجب العزاء لأخيه، قداسة البابا «تواضروس الثانى»، بطريرك الكرازة المرقسية، فى ضحايا كنيسة «أبوسيفين».

الإمام صاحب واجب، ولا يتأخر عن أداء الواجب، وتابع الحريق لحظيًّا من مشفاه الألمانى، ووجّه مشايخ الأزهر وقياداته للتعزية، ووضع إمكانيات المشيخة (طبيًّا وخدماتيًّا) لتخفيف وقع الحريق.

ما يجمع الإمام الأكبر بقداسة البابا على المستوى الشخصى كثير من المحبة القلبية، والعالِمون بمجريات العلاقة يقطعون بأنها تجاوزت الرسمى بين رأس المشيخة ورأس الكنيسة إلى ما هو شخصى، فالرجلان يُجِلّان بعضهما البعض وبينهما صلة ورحمة، وإذا كان من الواجبات الوطنية المَرْعِيّة تبادل التهنئة فى الأعياد الإسلامية والمسيحية عن طريق تبادل الزيارات والبرقيات فيما بينهما بالمشيخة والكاتدرائية، لكن الشخصى فى العلاقة عميق، وتؤشر عليه كلمات المحبة التى يفيض بها كل منهما على رأس الآخر.

تشابه لافت، حتى فى آلام الظهر، كلاهما يعانى وجعًا فى ظهره يُثقل حركته، ومصادفة أنهما يُعالجان فى ألمانيا وفق نصيحة الأطباء المصريين، وهى أخف ما يعانيه الكبيران، يحملان أثقالًا تنقض الظهر، وآمالًا عظيمة، وأمانى عِذابًا، يحلمان بوطن يعمه الخير والأمن والسلام، ويشاركهما الحلم طيبون كثر.

كلاهما متواضع، صَموت، والصمت الذى يتحلى به الإمام، ومثله الصمت الذى يميز البابا يُصعِّب علينا مهمة سبر أغوار هذه العلاقة الطيبة، التى باتت مستهدفة بشدة من جماعات لا تريد للوطن خيرًا منذ أن اجتمع الكبيران جوار الرئيس السيسى وقادة القوات المسلحة ورؤساء القضاء ورموز التيارات والأحزاب المدنية يوم ٣ يوليو لإعلان سقوط حكم المرشد، وتولية حكم وطنى يرعى مصالح الأمة المصرية.

كل منهما يمثل مؤسسة وطنية جذورها ضاربة فى أعماق الوطن. أزهر وسطى عامل على نشر السلام والمحبة. حافظ الأزهر على الإسلام السمح، ولم يذهب إلى فرقة أو تشدد، والإمام بسماحته قال قولته المأثورة: «إذا كان الشرع يكلف المسلمين بحماية المساجد، فإنه بالقدر ذاته يكلف المسلمين بحماية الكنائس، والمسلمون يقفون لحماية الكنائس وحماية إخوتهم المسيحيين».

وكنيسة وطنية خالصة، شجرة طيبة، ترتوى من نيل طيب، كنيسة ترفع لواء الوطن، لا تعرف غيره وطنًا، ومصر فى ضميرها، وطن يعيش فينا، والعبارة من مأثورات بابا العرب المتنيح، قداسة البابا شنودة الثالث، وزادها ألَقًا على ألَق قول خليفته فى كنيسة الوطن، البابا تواضروس الثانى، مُحِبًّا: «وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن»، الكنيسة سكنت قلب الوطن، وشعبها من بين الصلب والترائب.

لفتنى بشدة حجم التشابه الشخصى، ولو جرى تطبيق اختبارات السمات بين الكبيرين لكانت ملامحهما جد متشابهة تشابهًا ربما يصل إلى حد التطابق. «الإمام والبابا» فى تجلياتهما الوطنية يتشابهان. التشابه متكرر تاريخيًّا، وبرز جَلِيًّا بين البابا كيرلس والشيخ حسن مأمون فى عهد ناصر. نفس التماثل الذى ثبت بين البابا شنودة والدكتور عبدالحليم محمود فى عهد السادات، وتشابه واضح بين البابا شنودة (فى مرحلة ما بعد الدير) والدكتور محمد سيد طنطاوى فى عهد مبارك، والتشابه بين البابا تواضروس والدكتور الطيب واضح جَلِىّ للعِيَان، يتنفسان مصر اسمًا ووطنًا وعَلَمًا ونشيدًا.

نهى مرسي

نائب رئيس تحرير الموقع
زر الذهاب إلى الأعلى