حمدي رزق يكتب: الله يرحمك يا خال
سطور باردة على محركات البحث الإلكترونية، الاسم: عبدالرحمن الأبنودى، شاعر مصرى يعدّ من أشهر شعراء العامية فى مصر. تاريخ ومكان الميلاد: 11 إبريل 1938 (قنا)، تاريخ ومكان الوفاة: 21 إبريل 2015، (القاهرة).
لم يغادرنا الخال، الأحباء لا يغادرون، ثمانى سنوات مرت على الغياب، غيابه حضور، حضوره أقوى من الغياب، نتذكره كل طلعة نهار، وهو من كان ينتظر النهار، وبشراه «جانا نهار»..ألف رحمة ونور على من حمل البشرى أمانة.
رأيته رَأْىَ العين، فى مكنته فى قرية «الضبعية» على أطراف «الإسماعيلية» كان يرقب النهار، كان يعيش فقط ليرى لحظة انبلاج الفجر، كان بيحلم بنهار، إذ فجأة غادرنا فى منتصف النهار، كان على موعد مع النهار، عاش ومات ينتظر نهارا ينير لنا طريقا، ويعبّد لنا مستقبلا.
وغاب قبل أن يرى النهار.
من سيكتب موال النهار يا خال، من سيجلس القرفصاء متأهبا متوثبا لاستقبال النهار، وكأنه ينتظر وحيا، كان على موعد مع بنات الشعر يحملن فى كفوفهن شمس النهار.
يستقبلهن بابتسامات عذاب، يستعذب العذاب وألم المعاناة ومخاض شطرة من بيت شعر عصية على التسجيل، يراودها، وتتمنع، يغريها بالقرب تبتعد، يقف على قدميه متعبا، متكئا على عصاه، تتعطف عليه، تقرضه بيتا، ينام قرير العين.
ألق الأبنودى ليس فى موته إذ فجأة، فى صموده، صمود شجرة مانجو مثمرة فى مهب ريح صرصر عاتية.
شجرة الأبنودى صامدة، أصلها ثابت وفرعها فى السماء، تؤتى أكلها كل حين شعرا وطنيا مفعما بالأمل، كان الخال قويا يتحدى الزمن، الأبنودى نسر من أصل عريق، من سلالة من المصريين القدماء، أرواحهم تحلق فوق الجبال.
إذا جاء أجلهم، لم تر عينى الخال أبدا، قانطا من رحمة الله، كان فريدا، يقابل الألم ليلا بابتسامة وكأنه على موعد مع صديق غادره نهارا وسيزوره حتما ليلا.
كل هنيهة يتحسس بخاخة (دواء) تبخ رذاذا فى الفم توسع الشعب الهوائية التى ضاقت فى رئته المتعبة، يطمئن أنها فى متناول يده.
متعبا على زوجته المحبة بأعلى صوته «يا نهال»، فإذا جاءه صوتها من داخل البيت الريفى رائقا كالندى على ورق الشجر الأخضر فى حديقة «المانجو» الغناء، اطمأن وراق المزاج، البخاخة ونهال وشجرة المانجو، ثلاثية الأبنودى فى ملحمة مرضه العضال.
كشجرة المانجو العتيقة ظل الخال صامدا فى مواجهة مرض عقور، ينهش فى رئتيه، يقاوم ببسالة، بضحكة، بقفشة، باتصال محب من القلب للقلب، بمربع شاعرى يحمل موقفا سياسيا يصكه الخال كل صباح، يهزم به الألم، يصرع به اليأس، يقتات بالشعر ويستعين به على قسوة الحياة.
عدى النهار مرارا بالأبنودى بأمل فى نهار، نهار أبيض من اللبن الحليب، يدخر الخال تفاصيله فى أوراقه التى تبكيه حروفها بحرقة الفراق الصعيب.
كان يقاوم المرض ليلا بالكتابة عن نهار يراه قريبا، ينتظره على أحر من الجمر، «كل الدروب واخدة بلدنا للنهار/ واحنا بلدنا ليل نهار/ بتحب موال النهار/ لما يعدى فى الدروب/ ويغنى قدّام كل دار».