مقالات

حمدي رزق يكتب: تماسيح النيل فى نهر «روفيجى»!

حمدي رزق يكتب: تماسيح النيل فى نهر «روفيجى»!

حمدي رزق يكتب: تماسيح النيل فى نهر «روفيجى»!
حمدي رزق

على ضفاف نهر «روفيجى»، وفى قلب محمية «سيلوس جام»، التى تبعد نحو ٢٢٠ كيلومترًا عن طريق البر، جنوب غرب العاصمة التجارية لجمهورية تنزانيا «دار السلام».. وتعد Selous Game من أكبر المحميات الحيوانية المفترسة فى العالم، غابة مفتوحة، تؤمُّها ضَوَارٍ متوحشة، حيوانات مفترسة، أسود وأفيال وحيات سامة، وفى النهر (روفيجى) تتكاثر التماسيح التى تتلمظ لفريسة، حبذا اللحم البشرى الطازج.

تخيل فى قلب هذه الغابة يبنى أبناء الفراعنة واحدة من أكبر المحطات الكهربائية فى العالم، بلا مبالغة «سد عالٍ جديد»، تُعرف بمحطة «يوليوس نيريرى للطاقة الكهرومائية»، وتسمى أيضًا محطة روفيجى للطاقة الكهرومائية.

فى ديسمبر ٢٠١٨، منحت حكومة تنزانيا عقد البناء لتحالف مصرى، ثنائى وطنى (المقاولون العرب والسويدى)، لبناء محطة الطاقة بتكلفة تبلغ ٢.٩ مليار دولار أمريكى.

كان التحدى مستحيلا، ولكن لا مستحيل فى عُرف المصريين، طبوغرافية المكان: على البر حيث الضَوَارِى تدافع عن عرينها، وفى النهر حيث ترقد أشرس التماسيح، وسط جبلين لا يستجيبان إلا للمتفجرات، عصية الجبال التنزانية على الحفر بأثقل المعدات وأحدثها عالميا.

وفى توقيت بالكاد يسمح بالتقاط الأنفاس (فقط ٣٦ شهرا)، شمّر تماسيح النيل القادمون من الشمال عن سواعدهم الفتية، واستثمروا خبراتهم الوطنية فى ترويض الضَوَارِى، وتحويل مجرى النهر، وتعبيد الطرق، واختراق الجبال.

بحق معجزة هندسية ستسجل يقينًا فى المراجع الهندسية باعتبارها واحدًا من أصعب مشروعات السدود تاريخيًّا، لا سيما أن السد يحمل اسم الأب الروحى للشعب التنزانى الودود «يوليوس نيريرى» معروف مصريًّا بـ «جوليوس نيريري» من آباء القارة العظام.

معلوم ليس مَن رأى كمَن سمع وشاهد بأُم عينيه وعاش فى الأدغال لأيام معدودة، وسط رجال لا يهابون الموت، تجلت قدرات المصريين من أبناء التحالف الوطنى العظيم (المقاولون العرب والسويدى) فى قهر الصعب.. بقوة دفع جبارة وعزيمة فولاذية جرت عملية البناء عاليا إلى السماء التى تهطل أمطارا فى غزارة السيول.

تراهم (تماسيح النيل) آخر النهار بعد يوم عمل فى الأدغال فى «كومباوند المبيت» عاديين راضين مبتسمين يتسامرون، وفى الغابة أسود فى مواجهة أسود.

فى محمية «سيلوس جام» يتجسد ما يسمى أدبيًّا «تحدى الطبيعة»، وفى كل لحظة تمر على شباب وشيوخ التحالف تحدٍّ من نوع خاص، وقبلوا التحدى، وأقاموا سدًّا بمواصفة عالمية، بطول ١٠٢٥ مترًا عند القمة بارتفاع ١٣١ مترًا، وبه ٧ مخارج للمياه، وتصل السعة التخزينية لبحيرة السد إلى ٣٤ مليار م3، كما يضم محطة لتوليد الطاقة الكهرومائية بقدرة ٢١١٥ ميجاوات.

وعد الرئيس السيسى، الدكتورة سامية حسن، رئيسة جمهورية تنزانيا المتحدة، بالدعم المصرى الكامل لإنجاز حلم الشعب التنزانى. وردت الدكتورة سامية بالشكر للرئيس فى حفل بدء ملء السد بعد تمامه (يوم الخميس الماضى)، فى حفل بهيج طفرت فيه دموع الفرح التنزانية/ المصرية على وقع أصوات تصدر من المحمية (الغابة) فرحة بعودة النهر إلى مجراه الطبيعى، وفوقه سد ينير حياة ١٥ مليون تنزانى يودعون الظلام، تحقيقًا لأمانىّ عذاب، حلموا طويلا بالرخاء، وصار الحلم حقيقة فى الغابة حيث يفج نور عظيم يزيح دَياجير الظلام عن بقعة حبيبة من القارة السمراء.. مصابيح مصرية تشع هناك.

(نكمل غدًا وقائع الرحلة التنزانية).

نهى مرسي

نائب رئيس تحرير الموقع
شاهد ايضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى